تجميد روسيا معاهدة ستارت هل يكون مقدمة لسباق تسلح جديد؟

دولي – خاص مصدر الإخبارية

يتساءل كثيرون حول ما اذا كان تجميد روسيا العمل بمعاهدة ستارت سيكون مقدمة لسباق تسلح جديد في العالم من عدمه؟

يتبادر هذا السؤال بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجميد روسيا مشاركتها في معاهدة ستارت مع الولايات المتحدة، ما أثار جدلًا واسعًا على المستوى الدولي.

ويضع إعلان بوتين المفاجئ علامات استفهام كبيرة، خاصةً في أعقاب اعلان أمريكا المتكرر دعم أوكرانيا لصد العدوان الروسي الذي دخل عامه الثاني على التوالي.

وبموجب المعاهدة تُوضع قيود على الترسانات النووية الاستراتيجية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ما يُرجح عِدة سيناريوهات خلال الأيام المقبلة.

تهديدات جدية من الطرفين

دافع بوتين عن إعلانه خلال خطابه السنوي اليوم الثلاثاء أمام الجمعية الفيدرالية (البرلمان الروسي) قائلًا: “أجد نفسي مضطرا للإعلان عن تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية”.

وتوعد بوتين الولايات المتحدة حال قيامها بإجراء تجارب نووية بقيام بلاده بالمثل، مؤكدًا على أن “أي حديث عن الإخلال بنظام الردع النووي عارٍ عن الصحة”.

واتهم بوتين الغرب بأنه “أخرج الجنيَّ من المصباح، ونتحداهم”، وأنه “صرف الانتباه عن فضائح الفساد والمشكلات الأخرى بدعمه أوكرانيا”.

وأشار بوتين إلى أن “تدفقات المال الغربية للحرب لا تنحسر، ووعود وكلمات القادة الغربيين مجرد ذرائع لكسب الوقت، لإعداد أوكرانيا للمواجهة”.

واعتبر بوتين أن “ثمة خطرا وجوديا يواجه روسيا، والغرب يسعى إلى تحويل صراع محلي إلى صراع عالمي”.

في سياق هذا التقرير سنُسلط الضوء على معاهدة ستارت الجديدة وأبرز بنودها والدول المشاركة فيها، وعن الرؤساء الذين شاركوا في إبرامها والتوقيع عليها وأبرز المكاسب المُتحققة من ورائها.

إن ستارت الجديدة معاهدةٌ لخفض الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي وأُبرمت في الثامن من نيسان (أبريل) 2010 في العاصمة التشيكية “براغ”.

ووقع المعاهدة الثنائية كلٌ مِن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والرئيس الروسي الثالث، وبموجبها يتم خفض الحدود القصوى للرؤوس الحربية الهجومية الاستراتيجية للبلدين بنسبة 30 %، والحدود القصوى لآليات الإطلاق الاستراتيجية بنسبة 50 % بالمقارنة مع المعاهدات المُوقعة سابقًا.

أمن الولايات المتحدة وحلفائها

وبموجب المعاهدة تم تعزيز التعاون بين موسكو وواشنطن في مجال ضبط الأسلحة النووية، وحققت الولايات المتحدة المرونة التي تحتاجها لحماية أمنها وأمن حلفائها في المنطقة.

ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في الخامس من شباط (فبراير) للعام 2011 بعد الموافقة عليها مِن قِبل مجلس الشيوخ الأمريكي.

ويُجيب التقرير على بعضٍ من الأسئلة التي تدور في أذهان الكثيرين منها لماذا انتظرت الولايات المتحدة كل هذا الوقت لتمديد عُمر المعاهدة المُوقعة بين روسيا والولايات المتحدة.

معاهدة بعيدة عن الصين

بحسب مراقبين فإن الإدارة الأمريكية السابقة التي ترأسها دونالد ترامب بحثت في تجديد عُمر الاتفاقية الافتراضي، خاصة وأن العاصمة واشنطن أخطأت في التقيد بها.

وأشار المراقبون أنفسهم إلى أن 60% من الترسانة النووية الروسية من صواريخ نووية متوسطة وقصيرة المدى لم تشملها المعاهدة الموقعة.

وفي الوقت ذاته أصر الرئيس ترامب على دمج الصين في منظومة معاهدات نزع الأسلحة النووية للسيطرة عليها ومنع تغريدها خارج السرب ما يُعزز أمن الولايات المتحدة الأمريكية.

ولم يرق لترامب حينها تطور الترسانة النووية للصين بعيدًا عن أي شفافية أو مبادئ حاكمة ضمن اتفاقيات دولية أو معاهدات ثنائية مُلزمة لجميع الأطراف.

وحول كيفية توصل روسيا والولايات المتحدة للاتفاق على تجديد المعاهدة، يُشير مقربون من دوائر صُنع القرار الأمريكي، إلى أن موسكو وواشنطن سعيا إلى الفصل بين قضايا سباق التسلح والقضايا السياسية.

وتُضيف المصادر المقربة، أنه “ورغم القضايا الخلافية الكبيرة بينهما؛ إلا أن ذلك لم يمنع من إجراء محادثة هاتفية ثنائية بين الرئيس بايدن ونظيره الروسي بوتين؛ بهدف التوصل لاتفاق على تجديد المعاهدة لخمس سنوات إضافية”.

أهم الأسلحة التي شملتها المعاهدة

وفيما يتعلق بأهم الأسلحة التي شملها الاتفاق، فيوضح مختصون أن المعاهدة المُوقعة تعاملت مع الصواريخ النووية طويلة الأمد وعابرة القارات.

كما حدّدت المعاهدة ترسانة الدولتين النووية من الصواريخ عابرة القارات بما لا يزيد عن 700 رأسًا نوويًا في القواعد الأرضية، و1550 صاروخًا نوويًا في الغواصات والقاذفات الجوية الاستراتيجية، إلى جانب امتلاك 800 منصة ثابتة وغير ثابتة لإطلاق صواريخ نووية.

وحول ما اذا كانت المعاهدة ستسمح بعمليات تفتيش ورقابة من قبل الطرفين، فبموجب الاتفاقية المُوقعة يُتاح للطرفين إجراء عمليات تفتيش في القواعد التي توجد فيها الأسلحة 18 مرة خلال العام الواحد.

وأوضح المراقبون أن المعاهدة تمنح كل جانب من الأطراف المُوقعة إجراء 10 عمليات تفتيش، يُطلق عليها النوع الأول، وتتعلق بالمواقع التي توجد فيها الأسلحة والأنظمة الاستراتيجية.

فيما تُتيح لكلا الطرفين القيام بثماني عمليات تفتيش تحت بند النوع الثاني وتُركّز على المواقع التي لا تنشر سوى الأنظمة الاستراتيجية.

لا قيود مفروضة على برنامج الدفاع الصاروخي

وكشف موقع وزارة الخارجية الأمريكية عن تبادل البلدين 21 ألفًا و 403 إخطارات للاستفسار والتفتيش عن الأسلحة المُعلن عنها بموجب المعاهدة حتى تاريخ 21 يناير/كانون الثاني 2021.

ورغم كل ما سبق ذكره إلا أن الاتفاقية الثنائية لا تفرض أي قيود على اختبار أو تطوير البرامج النووية، كما لا تفرض قيودًا على برنامج الدفاع الصاروخي الأمريكي.

وتكمن أهمية اتفاقية ستارت الجديدة في كونها الاتفاقية الوحيدة بين البلدين التي تُتيح مراقبة الأسلحة، خاصة في أعقاب انسحابهما عام 2019 من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى الموقعة عام 1987.

وبحسب مختصين، فإن التوصل إلى اتفاق جديد لضمان استمرارية المعاهدة يُمثّل حُسن نية بين الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن وروسيا، إلا أن اعلان بوتين تجميد العمل بالاتفاقية يُعد إجراءً أحادي الجانب ويُمثّل مفاجأة للولايات المتحدة.

وحول التساؤلات المتعلقة بأجزاء المعاهدة المُوقعة بين موسكو وواشنطن، فإنها تتآلف من ثلاثة أجزاء منفصلة وهي نص المعاهدة وبروتوكولها والمُلاحق الفنية وجميع المستويات مُلزمة قانونًا بحسب الاتفاق.

وحددت معاهدة ستارت حقوق الطرفين المُوقعين وواجباتهما الأساسية تجاه بعضهما البعض، كما تضمنت شرطًا ينص على أن لكل طرف الحق في الانسحاب من المعاهدة حال رأى أحد الطرفين المُوقِعَين أن الالتزامات تُعرض مصالح دولته العُليا للخطر.

وطِيلة الفترة الماضية، حرص البلدان على تعزيز وتنفيذ أهداف وأحكام المعاهدة، تمثّل ذلك في اجتماع لجنة استشارية روسية أميركية مرتين كل عام في مدينة جنيف السويسرية؛ بهدف مناقشة القضايا المتعلقة بها والتنسيق لضمان عدم الاخلال بها.

الصين حاضرة غائبة في المعاهدة

وحول التساؤلات المتعلقة بعلاقة الصين وأسلحتها العابرة للقارات بمعاهدة ستارت المُوقعة بين موسكو وواشنطن، فيرى خبراء عسكريون أن الصين تُعد الحاضرة الغائبة في القضية.

وبحسب الخبراء الاستراتيجيون فإن الصين لا تُخضع نفسها لأي معاهدات أو اتفاقيات تُلزمها بالحد من إنتاج الصواريخ النووية طويلة المدى، وهو ما قد يُسهم في دفع روسيا لانتهاك القيود التي تُشكّل حاجزًا للاستمرار في انتاج الصواريخ النووية.

هل التجميد مقدمة لسباق تسلح جديد؟

وحول ما إذا كان تجميد روسيا العمل في معاهدة ستارت مقدمةً لسباق تسلح جديد في المنطقة، فيستبعد خبير شؤون التسليح ستيفن سيستانوفيتش العودة لسباق التسلح مع روسيا.

ويُؤكد سيستانوفيتش على ضرورة وقف سباق التسلح بما يشمل الصين، وألا تكون الأمر مقتصرًا على الولايات المتحدة وروسيا، كون بكين تُمثّل الخطر الحقيقي في المنطقة.

ويعتقد أن استمرار الصين في انتاج الأسلحة المتطورة يُشكّل تحديًا كبيرًا لدول المنطقة، في وقتٍ تشهد فيه ميزانية الصين العسكرية زيادة ملحوظةٍ بشكلٍ سنوي.