قهرمان مرعش.. بطلة تاريخية تعاقبت عليها الحضارات فما حكايتها؟

سعاد صائب سكيك – مصدر الإخبارية
كثر تردد اسم ولاية قهرمان مرعش أو ماراش بالتركية التي كانت مركز الزلزال الكبير الذي ضرب جنوب تركيا في يوم الإثنين 6 فبراير 2023، فما هي مرعش وما تاريخها، وما قصتها؟
“البطلة” هي معنى كلمة قهرمان والتي عُرف عنها في أعقاب انتصارها على الفرنسيين، وحصلت على هذا الاسم بعد استقلالها من الاستعمار، وقهر مقاومتها الشعبية للجيش الفرنسي عام 1973، فصارت كهرمان مرعش، أي البطلة مرعش.
تسمية “قهرمان مرعش”
وقبل مرعش كانت لها عدة أسماء، الأول اعتمده شعب الأناضول الذين أطقلوا عليها “ماركاس”، بينما لقبها الآشوريون بـ “مركاجي”، ومن بعدهم الرومان وأسموها “جرمانيا”، فيما أطلق عليها البيزنطيون “ماراسيون”، إلى أن أصبحت في عهد العثمانيين “مرعش”، حتى استقر بها الأمر في تسميتها “كهرمان مرعش” في عهد الجمهورية التركية الحديثة.
ويعود تاريخها حسب ما تقول كتب التاريخ التركية المترجمة بالعربية إلى العصر الحجري القديم، ومرت بعدة حضارات منذ المملكة الآشورية، وسيطرة الأرمن، والبيزنطيين ثم دخول الإسلام إليها مع سيف الإسلام وقائد المسلمين آنذاك خالد بن الوليد عام 637م .
وقبل الاطلاع على جغرافية كهرمان مرعش وتفاصيل تاريخها، لا بد من معرفة أن هذه الولاية تضم 10 مدن، و64 بلدية، و476 قرية.
صدع الأناضول والبحر الميت
جغرافياً، فإن المدينة تقع قرب جبال طوروس إلى الشرق من نقطة التقائها بجبال الأمانوس، وتغطي قممها الصخور، بينما تنتشر الغابات في المناطق السفلية منها، وتقبع بين قيليقية والأناضول جنوب تركيا حالياً.
وتعتبر قهرمان مرعش في المنطقة الأشد تأثراً بالكوارث الطبيعية الخاصة بالزلازل، حيث أنها تقع تحت تأثير صدع شرق الأناضول، وصدع البحر الميت، وبتقاطع من منطقة تركوغلو ونارلي.
ويبلغ عدد سكانها نحوَ مليون نسمة، في قطعة مساحتها 14327 كيلومتراً مربعاً، وترتفع عن مستوى سطح البحر 568 متراً، بينما يعود تاريخها إلى عصور ما قبل الميلاد، ويُقدر عمرها بين 14 إلى 16 ألف سنة حسب ما نقلت قناة الجزيرة عن تقارير تاريخية خاصة بالمدينة.
وتضم المدينة التي تقع بين إقليمي البحر المتوسط وشرق الأناضول، سهل كهرمان مرعش ضمن تضاريسها.
ويرى علماء التاريخ بأنها المنطقة الأكثر تأثراً في التقلبات المناخية لأنها تقع في ملتقى ثلاث مناطق مختلفة بين شرق الأناضول وجنوب شرقه، وإقليم البحر المتوسط كما ذُكر سابقاً، وبالتالي 3 أنماط مناخية مختلفة.
وإلى جانب التقلبات المناخية، فهي مدينة تعرضت للتقلبات الحضارية، فقد توالت عليها الحضارات وتقاتلت لأجلها، فبعد الفتوجات الإسلامية في القرن العاشر، هاجمها البيزنطيون، وعاثوا فيها نهباً وتخريباً، وهجروا سكانها.
الحضارات التي مرت بها
وازدهرت مجدداً في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان الذي أعاد بناءها، وتلاه عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، والذي أشرف ابنه العباس على ترميمها وتحصيبنها وبناء المسجد الكبير فيها.
وشهدت حالات صدٍ وردٍ، وازدهار ثم تدمير على يد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الخامس عام 747م، وعاد ازدهارها مجدداً على يد الخليفة مروان بن محمد ومن بعده في العصر العباسي.
واستمرت على حالها إلى أن خضعت للدولة السلجوقية عام 1086م، ومرت بفترة غير مستقرة مملوءة بالنزاعات بين البيزنطيين والصليبيين والسلاجقة والدانشمانديين، والمماليك والمغول، إلى أن دخلت تحت حكم إمارة “ذو القادر أوغلة” عام 1339م.
قهرمان مرعش العريقة
ومن هنا، بدأت في اكتساب مزيد من الأهمية الاجتماعية والفنية والعمرانية والسياسية، ثم استقلت في عهد العثمانيين عام 1522م وضُمت إلى إمبراطورية السلطان ياوز سليم.
وفي هذه المرحلة، اكتسبت اسم مرعش عام 1831م، وإلى أن أصبحت كهرمان مرعش كان من المفترض أن تتعرض لاحتلال الإنجليز عام 1919، الذين سرعان ما انسحبوا، وفق اتفاق مع الفرنسيين الذين احتلوها، وسرعان ما دحرتهم المقاومة الشعبية بعد عام أي في 1920.
وكانت أول مدينة تتحرر من الاستعمار، وتحصل على وسام الاستقلال من الجمعية الوطنية التركية الكبرى عام 1925، وحصلت على لقب البطلة، فأصبحت “قهرمان مرعش” في 7 فبراير (شباط) 1973.
وفي هذه المرحلة اكتسبت المدينة أهمية اجتماعية وفنية وعمرانية بالإضافة إلى الهيمنة السياسية.
ولأنها ولاية عريقة فإنها تحتوي على أماكن أثرية مثل متحف كهرمان مرعش، وعدد من القلاع أبرزها قلعة كهرمان مرعش، وعدة مساجد مثل مسجد كهرمان مرعش أو أولو جامع الذي انطلقت منه الشرارة الأولى للثورة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي، إضافة إلى مجمع أصحاب الكهف.
والكثير من المناطق المميزة من المساجد والقلاع الأخرى، والأسواق والجسور، والمدارس، والأضرحة والمعالم التاريخية كالحمامات العريقة وغيرها.
قهرمان مرعش منطقة الزلازل
وشهدت الولاية المنكوبة اليوم، عدة زلازل على مدار التاريخ، ففي عام 1114م ضربها زلزال كبير خلف دماراً هائلاً وقتل الآلاف من السكان.
وفي العام الحالي 2023 ضربها زلزال مدمرٌ أزاح المنطقة بأكملها 7.3 أمتار عن القشرة الأرضية، حسب ما أعلن أوهان تتار مدير الحد من مخاطر الزلازل في إدارة الكوارث والطوارئ التركية في مؤتمر عُقد اليوم الأربعاء 15 فبراير.
ووفقاً للإحصاءات الرسمية، وحسب ما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فإن كهرمان مرعش فقدت حتى كتابة هذا التقرير أكثر من 35 ألف ضحية.
فيما، تهدمت مئات المنازل، وقال مراد قوروم وزير البيئة والإسكان التركي إن “أكثر من 50 ألف مبنى يجب هدمه بشكل عاجل، نتيجة تضرره بفعل الزلزال”.
وبعد مرور 10 أيام على الكارثة، لا زالت تحدث المعجزات حيث العثور على ناجيين وسط استغراب فرق الإنقاذ والعائلات المنكوبة.
وتحدثت مركز أبحاث الزلازل بجامعة البوسفور التركية عن الهزات الارتدادية التي يعتقد أنها ستستمر على مدار العام إثر هذا الزلزال الهائل، وقُدر أنه كل 24 ساعة تحدث حوالي 24 هزة ارتدادية في المناطق على نفس خط الزلزال.
ويذكر أن قهرمان مرعش ذات طبيعة خلابة بمرتفعاتها، وسهولها، وبحيراتها، والمحميات الطبيعية والكهوف التي تحتويها.
ومن المعروف أنها منطقة غنية بالمعادن والمناجم.
وتعتمد الولاية ذات الكثافة السكانية الكبيرة على الزراعة بنسبة 80%، إضافة الصيد والحرف اليدوية، فضلاً عن صناعة الألبان والنسيج.
تمثال بائع اللبن في مرعش
يقال في تاريخ هذه الولاية أنه عند دخول فرنسا جنوب تركيا أي ولاية قهرمان مرعش، قرر جنرال فرنسي حاكم أن يفرض على النساء التركيات اللواتي يلبسن الخمار خلعه، وقال: لقد ذهبت دولة خلافتكم، والآن أنتم تحت الحكم الفرنسي، فاخلعن الحجاب.
ورفضت النساء القرار، وفي مرة مد الجنرال يده لامرأة ليخلع حجابها، فكان بقربه رجل تركي يبيع اللبن يطلق عليه إمام سوتجو أي بائع اللبن إمام، ولما رأى فعلة الجنرال أخذته الحمية والغيرة فتناول مسدساً من حزام الجنرال وقتله.
وبعد هذه الحادثة قامت ثورة عارمة، أدت إلى طرد الفرنسيين، وتحرير مدينة قهرمان مرعش.
وفيما بعد أُقيم تمثال اسمه “إمام سوتجو محرر ولاية مرعش” تظهر فيه صورة امرأة محجبة، والجنرال يمسك بالحجاب، والبطل إمام يقتله بالمسدس.
إلى جانب جامعة تركية تسمى باسمه، وكثير من الجمعيات الخيرية أيضاً.
اقرأ أيضاً:وفيات زلزال تركيا تقارب 32 ألفاً وسط استمرار جهود البحث