أمن الاحتلال مقابل حوافز اقتصادية في المنطقة

أقلام – مصدر الإخبارية

أمن الاحتلال مقابل حوافز اقتصادية في المنطقة، بقلم الكاتبة الفلسطينية تمارا حداد، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

تأتي الزيارات المكوكية في الآونة الأخيرة من قبل الجانب الأمريكي والتي ابتدأت بزيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي سوليفان تحضيراً لزيارة قريبة من وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، وأيضًا زيارة رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيل بيرنز إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية، من أجل تهدئة الأوضاع في الضفة الغربية بعد تصاعد المواجهة من قبل المقاومين الفلسطينيين والاحتلال، الذي باتت سياسته أشد ضراوة على تواجد الفدائيين سواء في جنين أو نابلس أو أي بقعة تتواجد فيها المقاومة.

هدف الزيارات لاستكمال المخطط ضمن مسعى أمريكي لتحقيق تحالف إسرائيلي مع دول عربية معتدلة، والذي بدأه نتنياهو في عام 2017 والذي رسم فيه تصور حل القضية الفلسطينية، وإنهاء الصراع القائم وفق الرؤية الإسرائيلية، لذا يسعى الجانب الأمريكي إلى وقف ذهاب الجانب الفلسطيني إلى محكمة العدل الدولية التي من شأنها وضع ملف الصراع (الإسرائيلي _ الفلسطيني) على المحك، وبالأحرى لصالح الجانب الفلسطيني أمام الاستمرار الممنهج في جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية.

أمن الاحتلال مقابل حوافز اقتصادية في المنطقة

من هنا فإن نجاح الجانب الأمريكي بثني الفلسطيني عن التقدم نحو السير ضمن الخيار القانوني فان ذلك يعني التقدم نحو خيار إضاعة الحق الفلسطيني والاستمرار بالنهج الأمريكي الرامي إلى استبدال الحقوق الفلسطينية بحوافز مالية واقتصادية مُعظمها سوف يقع في خانة الوعود والأوهام.

الأفكار الأمريكية المتعلقة بحل تسوية الصراع القائم متحركة ولا شيء ثابت فيها سوى مصلحة إسرائيل، وتذبذب هذه الأفكار يدور حول هذه الحقيقة وإمكانية فرض استحقاقاتها على الفلسطينيين والعرب، والمعضلة الحالية هو في كيفية اغلاق الملف الفلسطيني والإعلان عن انتهاء قضية فلسطين كمحطة أساسية في المخطط الأمريكي – الإسرائيلي لاستكمال مشروع نتنياهو الذي تقدم به لإدارة ترامب في عام 2017 وهو لإعادة رسم المنطقة الشرق أوسطية من جديد على اعتبار أن العالم العربي بمفهومه القومي لم يعد قائماً وبالتالي لم يعد يشكل أي عقبة خطيرة أمام المخططات والأحلام الصهيونية.

ويعتبر الاحتلال ان مسار المشاريع المستقبلية لن يسير طالما أن نفساً فلسطينياً يقاوم في المناطق الفلسطينية (ضفة، غزة، القدس)، حيث أن مسار المقاومة بالنسبة للاحتلال شوكة في حلق المشروع الأمريكي الإسرائيلي لذا يقوم الاحتلال بقلع جذور المقاومة في أي بؤرة تتواجد فيها، حتى استكمال الخطة التي تقوم على تطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية شرطًا لتهميش القضية الفلسطينية، وليس حلها بوصفها قضية وطنية، ومن ثم قضية سياسية، وهي تدعو التهميش حلًا لأنه حلٌ لمشكلات إسرائيل بالتخلي عن قضية فلسطين.

ويأتي كل ذلك من خلال إنشاء مناخ سياسي إقليمي ملائم لعلاقات عربية – إسرائيلية، يستوعب الجانب الفلسطيني، ويمارس الضغط اللازم عليه لقبول الطرح الأميركي الذي يركز على التعاون والتكامل الاقتصادي عبر حزمة من المزايا الاقتصادية والاستثمارات الأميركية والخليجية، مع تجاهل أركان القضية الفلسطينية كأنها غير قائمة، وتناسي جوهر الصراع الأساسي وهو الاحتلال الإسرائيلي، وتهميش حقوق الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس.

أمن الاحتلال مقابل حوافز اقتصادية في المنطقة

والتطبيع العربي مع إسرائيل كفيل باختفاء القضية الفلسطينية، وتبقى القضايا المعيشية الحياتية. وقد تخلى القادة الإسرائيليون عن هذه الأفكار التي لم يعد يتبناها سوى اليمين الإسرائيلي المتطرف، ففي هذا تبسيط للصراع الوجودي الذي يخوضه الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعين عامًا، وإفراغ لنضالاته باعتبارها نضالات من أجل التحرر وتقرير المصير وحق العودة، واختزال لها في نضال من أجل مشاريع اقتصادية وبنى تحتية لدولة ناقصة ومجزأة وعديمة السيادة، مع الاستمرار في تكريس الاحتلال لمنطقة الأغوار، وضم مناطق “ج” إلى السيطرة الإسرائيلية.

في المقابل، يحصل الفلسطينيون على مجموعة من المنح والمساعدات المالية دون حقوق وطنية. والسعي نحو تهجير الفلسطينيين طوعاً او قسراً من التجمعات السكانية الفلسطينية الكبرى، وبذلك تتخلص إسرائيل من مراكز الكثافة السكانية الفلسطينية العالية في مقابل احتفاظها بأكبر جزء من الأرض، أمّا غزة، فيجري تحويل قضيتها إلى قضية خدمات، والتعامل معها على أنها قضية إنسانية وإغاثية تتولى بعض دول الخليج العربية الغنية تزويدها بما تحتاج إليه من مشاريع ماء وكهرباء وبنية تحتية وغيرها مما يلزم لتخفيف معاناة السكان ومنع انهيار الوضع الإنساني، وذلك تحت رقابة إسرائيلية.

يسعى الحراك الدبلوماسي الأميركي للحصول على دعم الدول العربية المتحمسة لنسج علاقات قوية بإسرائيل، من زاوية التقاء المصالح على مواجهة التهديد الذي تمثله إيران، لذا شملت جولة الوفد الأميركي البدء في ترسيخ الهدوء في الضفة والقطاع للتفرغ نحو جولات لدولٍ فاعلة في الإقليم.

لذا سنشهد ضغطاً على الجانب الفلسطيني من خلال عقوبات تطال الفرد والجماعة الى حين القبول بالرؤية(الامريكية_ الإسرائيلية) وهي تعطيل التفكير بالحقوق السياسية مقابل حوافز اقتصادية لسلام محلي للانتقال الى السلام الاقتصادي الإقليمي.

هذه الخطة تشرعن الاحتلال الإسرائيلي وتأخذ من الفلسطينيين جميع حقوقهم المشروعة والمنصوص عليها في القرارات والقوانين الدولية مقابل منافع وامتيازات اقتصادية، لذا نرى الضغط على حركات المقاومة عبر اقتلاعها التي باتت عائقاً لتنفيذ هذه المشاريع.

والهدف من هذه المشاريع على المستوى المحلي استكمال بناء الدولة العبرية اليهودية على ما تُسميه الصهيونية العالمية أرض “إسرائيل” التوراتية “إيرتز إسرائيل”، وهى تمتد من الفرات الى النيل، وبالطبع تضم الضفة الغربية أو يهودا والسامرة، والقدس الموحدة عاصمة لها، وتصفية ما تبقى من الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، عبر التوسع في سياسة الاستيطان اليهودي في الضفة، وعمليات تهويد القدس. وما يتعلق بقطاع غزة، العدو الإسرائيلي لا يعتبره في إطار أرض “إسرائيل” التوراتية في الوقت الحالي، فلا يعني للمحتلين الصهاينة من وجهة نظر الجغرافيا السياسية، أو الأحلام التاريخية، ولكنه يؤرقهم باعتباره بؤرة للمقاومة الفلسطينية، وقنبلة قابلة للانفجار في أي وقت غير محسوب.

وعلى المستوى الإقليمي سيتم استكمال مشروع السلام الإقليمي مقابل دمج الاحتلال في منطقة الشرق الأوسط ومكتسبات اقتصادية للدول التي قبلت بتلك الخطة، في المقابل الدولي فان عملية ترسيخ الهدوء في منطقة الشرق الأوسط مهم لها من اجل التفرغ في كيفية توفير الغاز والطاقة لها.

من هنا على الجانب الفلسطيني أن يُعزز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه بوضع استراتيجية جديدة تتلاءم مع فاشية الاحتلال والمستوطنين.