الانقسامات الداخلية في إسرائيل وإمكانية تقويض مؤسسات الدولة

أقلام – مصدر الإخبارية

الانقسامات الداخلية في “إسرائيل” وإمكانية تقويض “مؤسسات الدولة”!، بقلم الكاتب والمحلل السياسي أحمد عبد الرحمن، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

مقدمة:
بعيداً عن التفاؤل المفرط الذي ينتاب البعض فيما يتعلّق بانهيار الكيان الصهيوني من الداخل، نتيجة انقساماته السياسية والأيديولوجية التي طفت إلى السطح مؤخراً، وبغض النظر عن “نبوءات” وتوقّعات البعض الآخر، الذي يعتمد على معادلات رقمية، وأحداث قد تبدو مترابطة، تشير إلى تفكّك واندثار “الدولة اليهودية” في توقيتات معينة، بعيداً عن كلّ ذلك، يمكن لنا أن نلحظ العديد من المؤشرات والمعطيات التي قد تهدّد استقرار هذه “الدولة”، وربما تصل في مرحلة ما إلى التسبّب بانهيارها، أو على أقل تقدير دخولها في حالة من الإرباك الشديد، واللااستقرار، سواء على صعيد مؤسسات اتخاذ القرار في “الدولة”، أو على صعيد استمرار الحياة الطبيعية في “إسرائيل”، والتي تُعتبر أولوية بالنسبة للحكومات الصهيونية المتعاقبة.

فعلى الرغم من أن “الكيان الصهيوني” يبدو وكأنه يعيش حالة من التمدّد الجيوسياسي في عموم المنطقة والعالم، من خلال انخراطه في أحلاف إقليمية ودولية، وتوقيعه على جملة من الاتفاقيات السياسية والعسكرية والأمنية، إلا أن واقع الكيان على المستوى الداخلي لا يتوافق مع ذلك؛ حيث شهدت الساحة الداخلية الصهيونية في الأشهر الأخيرة، ارتفاعاً ملحوظاً في حجم التحذيرات من خطر انزلاق “الدولة” إلى مزيد من التشتّت والانقسام، الذي يمكن أن يهدّد مكانتها الإقليمية والعالمية، وربما وهو الأهم ذهابها باتجاه حرب أهلية داخلية تحرق الأخضر واليابس، وتُحيل “أرض الرب” إلى كتلة من اللهب لا تُبقي ولا تذر!

الخوف ينتاب الجميع
خلال سنوات خلت، كانت النغمة السائدة في المجتمع الصهيوني، وفي أوساطه السياسية والعسكرية، تتسم بالثقة في قدرة “إسرائيل” على مواجهة أي أخطار أو مصاعب داخلية كانت أو خارجية، وقد طغت عبارات الإشادة بقوة واستقرار “الدولة”، على ما سواها من مواقف مشكّكة ومحذّرة من الخطر الذي يقترب، إلا أن هذا الحال قد تغيّر بشكل دراماتيكي ومفاجئ، بما طرح العديد من علامات الاستفهام، سواء على مستوى المضمون الذي اتسم بالشك والارتياب من المستقبل، أو على مستوى التوقيت، الذي ارتبط بصعود قوى اليمين المتطرف إلى سدة الحكم في “إسرائيل”.

رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، كان أحد القادة الذين أبدوا تخوّفهم من انهيار المشروع الصهيوني، إذ كتب مقالاً صحافياً منتصف العام المنصرم في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، حذّر فيه من قرب زوال دولة “إسرائيل” قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهداً في ذلك بـ”التاريخ اليهودي”، الذي يُفيد بأنه لم تتجاوز أي دولة يهودية عقدها الثامن، إلا في فترتين استثنائيتين، فترة الملك داوود، وفترة “الحشمونائيم”، وكلتا الفترتين كانت بداية تفكّكهما في العقد الثامن، وإن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي الثالثة، وهي على وشك الوصول إلى الذكرى الثمانين لتأسيسها.

هذا التخوّف الذي أبداه “باراك” انسحب أيضاً على رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، الذي قال مخاطباً الإسرائيليين: “إنّ الدولة تقف أمام اختبار حقيقي ومفترق طرق تاريخي، إما استمرار العمل، أو العودة إلى الفوضى، لأنها تشهد اليوم حالة غير مسبوقة تقترب من الانهيار. ومرة أخرى نواجه جميعاً لحظة مصيرية، فقد تفكّكت إسرائيل مرتين في السابق بسبب الصراعات الداخلية، الأولى عندما كان عمرها 77 عاماً، والثانية 80 عاماً، ونعيش الآن حقبتنا الثالثة، ومع اقترابها من العقد الثامن، تصل إسرائيل إلى واحدة من أصعب لحظات الانحطاط التي عرفتها على الإطلاق”.

بدوره الكاتب الصهيوني، يغئال بن نون، قال: “إن المزيد من الإسرائيليين تظهر عليهم علامات القلق الدّالة على اليأس، ويتقدّم الكثير منهم بطلبات للحصول على الجنسية الأجنبية، حرصاً على مستقبل أطفالهم، لأن بعضهم يقول بصوت عال: إن “إسرائيل لن تكون موجودة لفترة طويلة، وإن إقامتها من الأساس كانت مغامرة فاشلة، ولذلك يعيشون حالة متشائمة، ويحثون أنفسهم وغيرهم على الهروب قبل وقوع الكارثة”.

كلّ ما سبق من تصريحات وغيرها الكثير ممّا لا يتسع المجال لذكره في هذه العجالة، يشير من دون أدنى شك إلى ارتفاع منسوب القلق من إمكانية تفكّك دولة الكيان، ليس فقط بسبب عقدة التاريخ بخصوص مصير الدولة وهي تقترب من عقدها الثامن، بل لوجود شقوق عميقة تضرب في أساسات هذا المشروع الذي يقف على أرض ضحلة، ويكاد لا يمتلك أي جذور تاريخية أو حضارية، يمكن أن تساعد في تثبيت دعائمه في وجه العواصف التي يمكن أن تضربه من كل اتجاه.

تصدّع البنيان
ولم تكن التصدّعات والانقسامات التي طفت على السطح مؤخّراً حديثة عهد بالمشهد الإسرائيلي، وإنما تمتد جذورها إلى بداية المشروع الصهيوني في نهاية القرن الثامن عشر، حينها استخدم الكاتب اليهودي النمساوي، ناثان بيرنباوم، مصطلحاً جديداً في كتاباته لم يكن معروفاً من قبل، وهو مصطلح “الصهيونية”، حيث اعتقد البعض أنه مجرّد “لفظة اعتباطية”، إلا أنها تكرّرت بعد عدة سنوات على لسان اليهودي النمساوي الآخر، ثيودور هيرتزل، خلال المؤتمر الصهيوني الأول في بازل السويسرية عام 1897، الذي دعا فيه للهجرة إلى فلسطين، وإقامة وطن يساهم في حل مشكلة الأقليات اليهودية في الشتات.

صحيح أن هذه اللحظة كانت بداية المشروع الاستيطاني الصهيوني، والذي انتهى بإقامة دولة “يهودية” في قلب المنطقة العربية والإسلامية، وصحيح أن هذه “الدولة” أصبحت تمثّل رأس حربة المشروع الاستعماري في الشرق الإسلامي، إلا أنها أيضاً دشّنت بداية الصراع اليهودي الداخلي، بين اليهود المتدينين وبين الصهيونية، حيث أن الكثير من اليهود المتدينين رفضوا الفكر الصهيوني، بل حاربوه، واعتبروه يضرّ بمصالحهم في العالم. في حين لم تفلح محاولات “الحركة الصهيونية” في وسم نفسها بالطابع الديني، ولم تنطلِ هذه الخدعة على اليهود المتدينين، الذين كانت لديهم عقيدة راسخة تنص على أن أرض “إسرائيل” منحة من الإله لهم على يد “الماشيح” المنتظر، وأن كل محاولة بشرية لإقامة دولة يهودية قبل ظهوره، إنما هي كفر وشذوذ وخيانة.

هذا الاختلاف الحاصل منذ بداية المشروع الصهيوني في المنطقة، كان صاعق التفجير الأساسي في كل النزاعات التي تلت ذلك بين اليهود المتدينين من جهة، وبين الحركة الصهيونية من جهة أخرى، إذ إن كل الجماعات الدينية اليهودية، والتي تحوّل جزء منها إلى أحزاب سياسية، آمنت بعقيدة “الماشيح” المنتظر، في حين رأت الحركة الصهيونية، أن تلك العقيدة تُعتبر “شديدة السلبية”، كما كان يقول، دايفيد بن غوريون، أوّل رئيس وزراء في “إسرائيل”. حتى أنّ المفكّر الصهيوني الروسي، بيرتيس سمولنسكين، ذهب أبعد من ذلك في رفضه لفكرة “الماشيح”، حيث قال: “إنّ العقيدة الصهيونية هي عبارة عن مشروع استيطاني لضمان الرزق والأمن، ولا علاقة لها بالماشيح المخلّص”.

هذا الرأي وافقه فيه الصهيوني المجري، ماكس نوردو، الذي وصف الصهيونية بأنها حركة سياسية، وليست دينية صوفية، وأنها لا ترتبط بالرؤى “الماشيحانية” ولا تنتظر المعجزة، بل ترغب في إعداد طريق العودة بجهودها الخاصة، وهو ما يتطابق تماماً مع ما قاله هرتزل في مذكّراته: “إنني لا أخضع في مشروعي لأي دافع ديني”.

وصول “المتدينين” إلى السلطة
بعد تأسيس “دولة إسرائيل” عام 1948، بدأ الموقف التقليدي لليهود المتدينين، حول رفضهم لإقامة دولة قبل ظهور “الماشيح المخلّص” يتغيّر رويداً رويداً، وقد ترافق ذلك مع ظهور جماعات دينية تختلف عن مثيلاتها من التيار الديني القديم، إذ أصبحت هذه الجماعات تسعى إلى التغلغل في مؤسسات الدولة، وتحاول اختراق أجهزة الأمن والاستخبارات والجيش. وقد حقّقت نجاحات ملحوظة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، كنا قد أشرنا إليها بالتفصيل في مقال سابق بعنوان “الجيش الإسرائيلي نحو مزيد من التطرّف”، حيث تنامت تلك النجاحات حتى وصلنا إلى المرحلة الحالية، التي تشكّل فيها الأحزاب الدينية المتطرفة القوة الثالثة في البرلمان الإسرائيلي.

ويتولى اثنان من غلاة المتطرفين فيها، إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، مناصب وزارية حساسة، قد تترك آثاراً كارثية ليس فقط على صعيد العلاقة مع الفلسطينيين، وإنما قد يمتد تأثيرها إلى الداخل الصهيوني، بما يشكّل مزيداً من الانقسامات والتصدّعات. مع ضرورة الإشارة هنا، إلى أنّ طموح المتدينين المتطرّفين لا يتوقّف عند حصولهم على وزارة أو اثنتين، أو تشكيل تكتل قوي داخل الكنيست الإسرائيلي، وإنما يتجاوز ذلك إلى رغبتهم في السيطرة على كل مؤسسات الدولة، وصولاً إلى السيطرة على عملية صناعة القرار بشكل كامل.

السيطرة على صناعة القرار
من أجل السيطرة على عملية صنع القرار في “إسرائيل”، يتوجب على القوى اليهودية المتطرفة، وضع يدها بطريقة مباشرة أو عبر وسطاء، على المؤسسات الرئيسية التي تساهم في اتخاذ القرارات. وهذه العملية لن تكون سهلة بأي حال من الأحوال، إذ أن عملية صنع القرار في الكيان الصهيوني تخضع إلى العديد من المؤثرات الداخلية والخارجية، وفي بعض الأحيان إلى التوازنات التي تراعي مصالح ووجهات نظر بعض الأطراف داخل “البلاد” وخارجها. ولا سيما عندما يتعلّق الأمر بقضايا تخص “الأمن القومي الإسرائيلي”.

ومع أن الحكومة الإسرائيلية هي المعني الأول في اتخاذ القرارات، بناء على ما كفلته لها القوانين المنظّمة لعملها، إلا أنّ هناك العديد من القوى والمؤسسات تضع بصمتها في هذا الجانب، ولا سيما المؤسسة العسكرية والأمنية عندما يتعلّق الأمر بالحروب والأزمات، مع الإشارة أيضاً إلى دور الأحزاب الإسرائيلية في التأثير على صناعة القرار، إذ تستغلّ هذه الأحزاب وجودها في الحكومة والبرلمان، من أجل سنّ بعض القوانين الخاصة والتي تؤدي إلى الحفاظ على قواعدها الحزبية.

وهناك أيضاً مراكز الأبحاث التي تؤدي دوراً مركزياً في توجيه الرأي العام، باتجاه بعض القضايا المهمة والمصيرية، ما يشكّل ضغطاً شعبياً على الحكومة لاتخاذ قرارات معينة، تخدم بصورة أساسية الجهات التي تقف خلف تلك المراكز، والتي يكون جزء منها أحزاباً، وفي بعض الأحيان المؤسسة الأمنية والعسكرية.

مؤسسات صناعة القرار في “إسرائيل”
1- الحكومة الإسرائيلية:
تملك الحكومة في “إسرائيل” أعلى السلطات والصلاحيات، التي تسمح لها بوضع السياسات والقوانين الناظمة لشؤون الدولة الداخلية والخارجية، ويُعتبر رئيس الوزراء الرجل الأقوى في “إسرائيل”، إلى جانب أعضاء حكومته، إضافة إلى المجلس الوزاري المصغّر الذي يضم في الغالب 10 وزراء من بين كل أعضاء الحكومة، بحيث تتمثّل فيه أهم الوزارات مثل الحرب “الدفاع”، والخارجية، والمالية.

إضافة إلى ذلك تضم الحكومة عدة لجان مهمة، تساهم بشكل فعّال في اتخاذ القرارات المصيرية والحاسمة، مثل لجنة شؤون الأمن “الكابينت”، والتي يرأسها في العادة رئيس الوزراء، ومجلس الأمن القومي التابع لديوان رئيس الحكومة، إضافة إلى سكرتير الحكومة العسكري، وهو من المراكز الحسّاسة للغاية، إذ يُعتبر حلقة الوصل بين رئيس الحكومة والمؤسسة الأمنية، وهو يحضر جميع اجتماعات رئيس الحكومة مع كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين في “الدولة”.

2- المؤسسة العسكرية والاستخباراتية:
منذ تأسيس الكيان الصهيوني تحظى المؤسسة العسكرية ممثّلة بالجيش وأجهزة الاستخبارات، بمكانة خاصة تميّزها عن باقي مؤسسات “الدولة”، وهي تُدار بطريقة تختلف نوعاً ما عن تلك الخاصة بالمستوى السياسي، حيث أن المدّة الزمنية التي يبقى فيها الضباط والقادة على رأس عملهم طويلة نسبياً ومستقرة، إضافة إلى اعتماد التعيينات فيها على درجة كبيرة من الاحترافية، والخطط التطويرية تمتد لتشمل عدّة مستويات، وهذا ما يمنحها القدرة على التخطيط، وتنفيذ السياسات بشكل أكثر فاعلية من الأجهزة الأخرى.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المؤسسة العسكرية، أصبحت بمثابة الحاضنة الأساسية، أو “محطة التفريخ” للقيادات السياسية التي تتبوأ المناصب السياسية العليا والأهم في البلاد، حيث تولّى رئاسة الوزراء في “إسرائيل” في العقود الأخيرة، العديد من الجنرالات السابقين مثل، يتسحاق رابين، ويهود بارك، وأرئيل شارون. فيما شغل أكثر من 60 جنرالاً منصب وزير، ونائب وزير، في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وحصل 100 آخرون على عضوية البرلمان الإسرائيلي.

3- المراكز البحثية والفكرية:
تملك “إسرائيل” المئات من مراكز البحث، ومعاهد الدراسات الاستراتيجية التابعة للجامعات والوزارات المختلفة، حيث تقوم بالعديد من النشاطات كعقد الندوات والمؤتمرات، وصولاً إلى إصدار تقارير وبحوث دورية، تتضمّن نتائج وخلاصات على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو العسكري، تفيد في معظمها في اتخاذ قرارات استراتيجية تتعلق “بالدولة”. وتعتبر مراكز الأبحاث أحد أهم روافد عملية صنع القرار في دولة “الكيان”، التي أدركت مبكراً أهمية هذه المراكز، ودورها الحيوي في وضع السياسات العليا، واختيار الوسائل والأدوات المناسبة في تعاملها مع “أعدائها”، ومن أهم هذه المراكز ما يلي:

· مركز أبحاث الأمن القومي.

· معهد هرتسيليا.

· مركز بيغن–السادات للدراسات الاستراتيجية.

· المعهد الدولي لمكافحة “الإرهاب”.

· المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية والإقليمية.

· معهد هاري ترومان.

· المعهد الإسرائيلي للديمقراطية.

· مركز القدس للشؤون العامّة.

· معهد مراقبة وسائل الإعلام الفلسطينية.

4- الأحزاب الإسرائيلية:
تتميّز الأحزاب السياسية في “إسرائيل” بالتعدّد الذي يُعتبر من أبرز خصائص النظام السياسي الإسرائيلي، وهذا يرجع إلى تنوّع الطوائف، وتباين الاتجاهات، وتضارب الأصول، التي تسعى كلّ منها للتعبير عن نفسها من خلال الحزب السياسي. وتظهر قوة تأثير الأحزاب الإسرائيلية في النظام السياسي، قبل وأثناء المفاوضات مع رئيس الحزب المكلّف بتشكيل الحكومة، حيث تصبح في الكثير من الأحيان، عامل حسم يرجّح هذه الكفة أو تلك، وتحكمها في ذلك مصالحها الحزبية بدرجة أولى، ومن ثم المشاريع التي تسعى إلى تنفيذها على أرض الواقع، وهذا ما بدا جلياً في مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية، التي مارس فيها “التيار الديني الصهيوني” كل أشكال الابتزاز السياسي ضد نتنياهو، وحصل على معظم إن لم يكن كل ما يسعى إليه.

الخاتمة:
مع أهمية التناقضات الداخلية في “إسرائيل”، وإمكانية أن تؤدي إلى اتساع مستوى الشرخ بين شرائح المجتمع كافة، بما يمكن أن ينسحب أيضاً على النخب السياسية والعسكرية، إلّا أن الواقعية تقتضي منّا ألا نبالغ كثيراً في الاعتماد على هذه التفاصيل، ويجب ألا نبني حساباتنا على فرضية سقوط “إسرائيل” من الداخل كما يتصوّر البعض، أو تفكّك وانهيار مؤسساتها، وعلى وجه الخصوص مؤسسة الجيش.

فاحتدام الخلاف بين “العلمانيين” الذين يشكّلون امتداداً طبيعياً للحركة الصهيونية، وبين المتدينين المتطرفين الذين باتوا يسيطرون على الكثير من مؤسسات “الدولة”، والذي شكّلت المظاهرات التي خرجت في شوارع تل أبيب مؤخراً جزءاً منه، لا يشير إلى فرضيّة الانهيار والسقوط التي ينظّر لها البعض. وفي الوقت نفسه يجب علينا ألّا نقلّل من تداعيات هذا الانقسام العميق، الذي يُتوقّع له أن يزداد ويتوسّع، وستكون له بالتأكيد مخاطر جمّة، ونتائج مهمة على مستوى تماسك “الدولة” وقوة ومنعة مؤسساتها.

المهم في هذا الموضوع أن نجري حساباتنا بناءً على إمكانياتنا نحن، وعلى تماسكنا نحن، وعلى تقييمنا نحن لهذا الصراع الممتد منذ حوالى 75عاماً. لا ضير من استغلال نقاط ضعف العدو والمراكمة عليها، ولا حرج في محاولة تعميق الهوة بين الأفرقاء الصهاينة في حال امتلكنا الأدوات المناسبة لذلك، ولكن حذارِ من الركون لفرضيات ونبوءات وتوقعات، على قاعدة “وكفى الله المؤمنين شرّ القتال”، وإنما القيام بكل ما يلزم من عمل دؤوب ومثمر وبنّاء، لحسم هذا الصراع الصعب والطويل، رغم فارق الإمكانيات، وتعقيدات المرحلة.