فخ المخدرات الرقمية.. جرعات إدمان في الخفاء بلا رقيب

سعاد صائب سكيك – خاص مصدر الإخبارية

ربما سمعت بالمخدرات بشكل عام، إلا أنك بالتأكيد على الأغلب لم تسمع أو لم تتعرف على المخدرات الرقمية، نعم! كما قرأت، لقد وصل العالم الرقمي إلى أوسع من ذلك، ودخل في نطاق التأثيرات على العقل والنفس ليخوض غمار التجربة العميقة في المخدرات عبر الصوت.

ماهية المخدرات الرقمية

وتعتمد المخدرات الرقمية “Digital Drugs” أو “iDoser” على مقاطع صوتية تتكون من نغمات موسيقية، تحمل ترددات تتفاعل عبر الأذنين ووظائف السمع، لتؤثر على المستمع بشكل ما يشبه تأثير المخدرات الحقيقية التي تخدر العقل، لذلك شبهها البعض بـ “حبوب الهلوسة”.

ولا يعتبر الأمر جديداً، حيث استُخدم في بدايته كعلاج لمرضى الاكتئاب والأمراض النفسية بشكل ما عام 1970، إلا أنه ظهر باسمه الرقمي في السنوات الأخيرة بعد أن اجتاح أوساط الشباب بشكل خفي، وفي متناول الجميع بلا رقيب، وما زاد الأمر سوءاً اعتماد بعض الجهات عليه في بث السموم لأفكار الجيل الجديد عبر موسيقى المخدرات.

وفي توضيح أكثر، شرح أ.خالد صافي مختص واستشاري التسويق والإعلام الرقمي لـ شبكة مصدر الإخبارية بأن المخدرات الرقمية تعتمد على الأذنين معاً، والتي تشترط سماعها عبر سماعات “استيريو”، بعيداً عن العالم الواقعي، في خلوة مع النفس.

وتُصدر الموسيقى ترددات وذبذبات صوتية مصممة بدقة، بحيث تصل إلى الأذن اليمنى بمستوى صوتي مختلف عن اليسرى التي تُسمع فيها الترددات بشكل أقل.

ولفت صافي إلى أنها تعتمد على الإيحاءات بشكل كبير، حيث يحاول الدماغ أثناء الاستماع أن يوحّد التردد في الأذنين للحصول على مستوى واحد، مما يتركه في حالة غير مستقرة على مستوى الإشارات الكهربائية التي يرسلها، بمعنى أنها لا تحتاج إلى اعتماد نفسي أو جسدي.

فعالية المخدرات الرقمية

وعن إمكان كون فعاليتها يصل حداً مخيفاً من الإدمان، قال مختص الإعلام الرقمي: “لا توجد أبحاث علمية تدل على ذلك”، مما يشير إلى أنها قد لا تسبب الإدمان بالشكل المعروف، إنما قد تعطي متعاطيها أو ممارسها شعوراً بالمتعة والتسلية ليس له علاقة بالنشوة والسعادة التي تُقدمها المخدرات العشبية.

في حيث أشارت بعض التقارير بأن النشوة التي يحصل عليها الشخص لها علاقة بالإيحاءات التي تُصورها الموسيقى، والتي قد تصل إلى إيحاءات جنسية في بعضها.

ولتركيز أعمق حول ماهية المخدرات الرقمية وتأثيرها، ذكر صافي بأن لها عدة أنواع تختلف بفعاليتها كالمخدرات العادية، ولمزيد من التوضيح قال: “بعد دراسة حالة الدماغ وطبيعة الإشارات الكهربائية التي تصدر عن الدماغ بعد تعاطي نوع محدد من المخدرات، يمكن تحديد نوع النشوة”، وتابع: “مما يسمح للنوع الرقمي منها أن يستهدف نمطاً معيناً من النشاط الدماغي”.

وأردف قائلاً :”السماع لترددات الكوكائين لدقائق محسوبة، سيحفز الدماغ بصورة مشابهة لما يحدث بعد تعاطي المخدر الواقعي”، وهكذا يحاول مروجو المخدرات الرقمية في الوصول إلى أقرب حالة يكون فيها المتعاطي في الحقيقة.

تأثيرات المخدرات الرقمية على النفس

وفي هذه الحالة المسببة للإجهاد العقلي والفكري، والجسدي معاً، قد يتأثر الشخص سلبياً في المستقبل، وحذر صافي من أن الشرود الذهني الذي يصل إلى حد الانفصال عن الواقع، قد بسبب خللاً في كهرباء المخ، وبالتالي على صحة الدماغ، وسلامة الحواس المستخدمة في عملية الوصول إلى النشوة المشابهة للمتعاطين.

إضافة إلى أنها قد تعمل على اختلال التركيز، وتشوش الذهن، ونوه إلى أن الأمر بالمجمل قد يتطور مسبباً مشاكل اجتماعية، تلقي بظلالها على مستوى تعامل الشخص مع محيطه الأسري، وربما يؤثر على تحصيله الدراسي، فضلاً عن اضطرابات جسدية تؤثر على صحته العصبية وسلامته النفسية.

وفي مراحل متقدمة، قد يصاب المدمن على الموسيقات المهلوسة بالإدمان، مع إمكان تعرضه لتشنجات ورغبة كبيرة في تعاطيها.

فلسطينياً، لم يُظهر المجتمع المحلي أي تفاعلٍ مع المخدرات الرقمية، وحسب مختص الإعلام الرقمي لا توجد إحصاءات دقيقة عن انتشارها في المجتمع الفلسطيني، ولم تبلغ أي مؤسسات صحية عن أرقام رسمية للمتعاطين لها، إلا أنه لفت إلى أن هناك نسبة تستخدمها من باب الفضول، بعد السماع عنها وانتشارها في الجوار.

عربياً.. أرقام مخيفة ونماذج مجانية

وأفاد صافي بأن موسيقات الهلوسة تحظى بمشاهدات عالية على يوتيوب، موضحاً أن هناك 145 ألف مشاهدة لمقطع بعنوان موسيقى الهلوسة، فيما حقق مقطع آخر بعنوان “مخدرات رقمية عالية الخودة” 80 ألف مشاهدة، تضمنت تعليقات لمدمنين من جنسيات عربية.

وحذر من هذه الأرقام المخيفة التي تقود إلى مؤشرات لانجراف الشباب والمراهقين خصوصاً لهذا النوع من الموسيقى المخدِرة الرائجة، مما يؤثر نفسياً على سلوك الفرد وصحة المجتمعات.

وفي التساؤل عن انتشارها بهذه السهولة، بيّن صافي بأن هناك عدداً منها منتشرٌ بلا مقابل، وهي النماذج التجريبية التي تكفي للحصول على النتيجة المرجوة، إضافة إلى أسعار زهيدة تبدأ من 3 دولارات وصولاً إلى 30 دولاراً للمقطع المخدر.

ويشار إلى أن المخدرات الرقمية انتشرت بشكل مخيف في لبنان وتركيا، منذ أعوام مضت ولا زالت تخيف المجتمعات، وفي عام 2014 كانت لبنان تحدثت بشكل مباشر على شاشتها عن الأمر في تقاريرها الإعلامية، حيث أظهرت بجرأة عدداً من الشباب وهم يتعاطون مع هذه المقاطع التي أوصلتهم إلى النشوة، محذرة من التعاطي وداعية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة المشكلة.

تحذيرات.. بظل غياب الرقابة

وما يدعو للقلق، غياب الدور الرقابي، حسبما أفاد صافي بأنه لا توجد رقابة رسمية أو حظر لمثل هذه النغمات حالياً، موضحاً أنه يتم الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل سهل وبمقابل بسيط من الدولارات، إصافة إلى سهولة الحصول عليها عبر موقع يوتيوب مجاناً.

وقال: “هناك مواقع متخصصة تقوم ببيع النغمات المخدرة والمهلوسة على مواقع الانترنت”.

وفي ختام حديثه، شدد مختص التسويق والإعلام الرقمي على أن المخدر الرقمي يعتبر آفة خطيرة تتحمل مسؤوليتها عدة جهات أولها الأسرة، تليها المدرسة، وأوصى بأهمية المتابعة، داعياً الجهات المعنية والإعلام بالقيام بدورها في التوعية بخطر هذا النوع الرقمي من المخدرات، والتحذير من تأثيرها كونها فخاً جديداً للإدمان من بوابة المحتوى الرقمي.

وفي متابعة للآراء ومعرفة متابعة الشباب الفلسطيني لآخر موسيقات الهلوسة، وجدنا عبر صفحة مختص التسويق والإعلام الرقمي بأن بعض الشباب جربوا التعرض لأجواء المخدرات الرقمية من باب الفضول، ولم يحصلوا على النتائج التي تقدمها المخدرات الحقيقية.

فيما، رغِب البعض بالتوجه لها، للانفصال عن الواقع الذي يعيشوه داخل البقعة الصغيرة المحاصرة في قطاع غزة، ورفض البعض الآخر التعرف عليها أو حتى الاقتراب من الموسيقات المشبوهة والاستماع لها خوفاً مما يشاع عن بعضها بأنه يوصل إلى حالة من النشوة المرفوضة دينياً.

اقرأ أيضاً: التشريعي بغزة يقر مشروع قانون خاص بالمخدرات بالقراءة الأولى