فلسطين تختار الصمود والمقاومة

أقلام _ مصدر الإخبارية

حسنٌ، لقد انتهى الأمر في إسرائيل، وما هي إلا أيام قليلة، ويبدأ عمل الحكومة التي يعدها الإسرائيليون أنفسهم، الأكثر يمينية وتطرفاً منذ تأسيس الدولة.

ولا يحدث ذلك لكون اليمين قد فاز بأغلبية المقاعد، فهو على كل حال يقود إسرائيل منذ أربعة عقود مضت، ولا لأن اليمين التقليدي متحالف مع الأحزاب الدينية، فحتى حزب العمل كان قبل عقود أشرك تلك الأحزاب خاصة شاس في الحكم، وليس أيضاً لأن اليمين المتطرف الذي يعتمد في قاعدته الانتخابية على المستوطنين، أي خارقي القانون الدولي بمجرد إقامتهم على أرض دولة فلسطين المحتلة، وقد سبق لـ”البيت اليهودي”، أن شارك في أكثر من حكومة سابقة، ولكن لأن أحزاب اليمين المتطرف الثلاثة، التي كونت القائمة الانتخابية “الصهيونية الدينية” جمعت بين التطرف القومي والتشدد الديني، ولأنها أيضاً رفعت شعارات عنصرية علناً، ومنها إيتمار بن غفير، الذي ما هو إلا وريث مائير كهانا، الذي اعتبره القانون الإسرائيلي نفسه، وكذلك الولايات المتحدة إرهابياً.

مع كل هذا فقد ذهب بنيامين نتنياهو بمحض إرادته، إلى ما هو أبعد من هذا بكثير، فهو على ما يبدو يسعى في آخر حكومة – على الأرجح – يترأسها، إلى الانخراط في أوساط اليمين المتطرف، وذلك حتى يبقي على سيطرته الشخصية على الليكود نفسه، ولا ننسى هنا ما سبق أن قام به أرئيل شارون، بعد أن وصل إلى منصب رئيس الحكومة على أكتاف حزب الليكود، من الخروج منه وتشكيل حزب كاديما، الذي بقي من بعده بزعامة كل من إيهود أولمرت ومن ثم تسيفي ليفني، قبل أن يتلاشى، نقول: لم يكن نتنياهو مضطراً لأن يمنح إيتمار بن غافير أولاً، ومن ثم بتسلئيل سموتريتش ثانياً، كل هذه الصلاحيات، خاصة في الضفة الغربية، الأول عبر تغيير إطار صلاحيات وزارة الأمن الداخلي، بتحويلها إلى وزارة الأمن القومي، ومنحها السيطرة على حرس الحدود، أي الشرطة العسكرية التي تعمل في الضفة الغربية، والثاني، من خلال منحه المسؤولية على الإدارة المدنية التي تمثل الحكومة الإسرائيلية بمجمل وزاراتها في الضفة الغربية، إضافة بالطبع إلى أنه سيكون وزيراً للمالية لمدة عامين، ومن ثم وزيراً للداخلية.

وزاد نتنياهو الطين بلة، بمنح كل من الرجلين العنصريين كل الصلاحيات الخاصة بشرعنة المستوطنات، وتوسيعها، بما يعني ويؤكد أن نتنياهو قد اختار بملء إرادته أن يضع برميل البارود العنصري، وأن يدفع بأسوأ رجاله في الحكم إلى مواجهة الجانب الفلسطيني، وكل هذا يؤكد ما ذهبت إسرائيل إليه منذ وقت، وكنا قد لاحظناه بأكثر من مقال، وهو إشعال الحرب داخل الضفة الغربية، بحيث يتم فرض السيطرة الإسرائيلية عليها بالقوة، بقوة المستوطنين ومعهم كل شرطة جنود الاحتلال العاملين فيها، بأوامر سياسية من بن غفير وسموتريتش، ما دام الجانب الفلسطيني، قد صمد كل هذا الوقت، ورفض التسليم خلال المفاوضات، والاكتفاء بالحكم الذاتي، أو بالإبقاء على نظام الحكم الانتقالي، أي السلطة الفلسطينية، بشكل دائم.

ولم يكلف نتنياهو خاطره، حتى لمجاملة حليف إسرائيل الاستراتيجي، أي الولايات المتحدة، التي حذرته مبكراً من ضم بن غفير للحكومة، وتسليمه خاصة وزارة الأمن الداخلي، حيث قيل خلال إجراء المفاوضات الائتلافية إنه عرض عليه وزارة الزراعة، ثم قيل إن نتنياهو خضع لبن غفير، ومنحه أكثر مما كان يطالب به، حتى يخرجه من التحالف مع سموتريتش، ومن ثم يضعف سموتريتش في مفاوضاته معه الخاصة بتشكيل الحكومة، وهنا فقط يمكن الإشارة إلى أن نتنياهو فقط لم يمنح سموتريتش وزارة الجيش، لكنه منحه جزءا منها، ومنحه دور وزير في الجيش بالإشراف على الإدارة المدنية.

ويبدو أن نتنياهو الخبير ورغم أنه يتصرف بدوافع شخصية، وهو حاكم بات أشبه بحكام العالم الثالث المستبدين، إلا أنه أدرك عمق التحول المجتمعي الإسرائيلي ناحية اليمين، ومن ثم اليمين المتطرف، بعد أن بات المستوطنون، والمتشددون الدينيون، كنواة صلبة يحددون وجهة صناديق الاقتراع، التي أظهرت في الوقت نفسه، تلاشي اليسار، الذي كان يحكم إسرائيل في أول ثلاثة عقود من عمرها. وهو – أي نتنياهو يعرف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه واشنطن، التي عبرت عن امتعاضها من إدارة ظهره لتحذيرها من ضم بن غفير، بتعيين هادي عمرو ممثلاً خاصاً للشؤون الفلسطينية في وزارة الخارجية الأميركية، والذي أعلن بدوره بعد منحه هذه الصفة وهي أرفع مستوى للعلاقة الأميركية – الفلسطينية، بأن بلاده ما زالت تفكر في فتح القنصلية الأميركية في شرق القدس ، والتي تراها إسرائيل – والتي هي فعلا كذلك – بمثابة سفارة أميركية لدى فلسطين، وهذا يعني أن إعادة فتحها، إشارة إلى اعتراف أميركي ضمني بدولة فلسطين، وكذلك بأن القدس الشرقية هي أرض فلسطينية محتلة.

المهم أن إسرائيل الرسمية، بصرف النظر عما ستؤدي له مشاركة العنصريين في حكومة نتنياهو السادسة من تأثير على العلاقة الإسرائيلية – الأميركية، ولا على المستوى الداخلي الإسرائيلي، قد ذهبت بعيداً في إعلان استعدادها وحتى للتحضير لشن الحرب الطاحنة على أرض وشعب دولة فلسطين، وتشكيل قيادة فاشية إسرائيلية لإدارة وجودها في الضفة الغربية والقدس، ولم يعد الأمر يحتمل التريث أو التخمين، أو حتى التعقل، لذا فمنذ اليوم الأول لاستلام تلك الحكومة مقاليد الحكم، ستندلع المواجهات، لهذا فإن المهم هو ما سيكون عليه الرد الفلسطيني، الذي جاء سريعاً بعقد الاجتماعات القيادية، وإعلان الرئيس محمود عباس بنفسه، عدم الاستسلام، والصمود، وذلك بتوسيع نطاق المقاومة الشعبية والتحرك دولياً لإجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها، ومحاسبتها على جرائمها.

وفي حقيقة الأمر، فإن النظام الإقليمي وكذلك المجتمع الدولي، سيكون أكثر تفهماً للمقاومة الفلسطينية، حتى غير السلمية منها، بالنظر إلى الطبيعة العنصرية والفاشية للحكومة الإسرائيلية القادمة، ولكن كل الرفض الإقليمي والدولي لتلك الحكومة الإسرائيلية، يعتمد على المقاومة الفلسطينية ميدانياً، لذلك فإن أول ما يجب الإقدام عليه فوراً، هو إعلان الوحدة الميدانية على الأقل، وعدم انتظار مخرجات الجزائر، وبالطبع لو أن إنهاء الانقسام بين جناحي الوطن يتم إعلانه وتنفيذه فوراً، سيكون ذلك بمثابة مصل القوة للمقاومة الشعبية في القدس والضفة الغربية، ولكن إلى ذلك الحين، يمكن، بل ويجب إعلان الوحدة الميدانية، على طريقة “عرين أسود نابلس “، وبدء إعداد الشعب كله، ومن ثم زجه وتنظيمه في لجان المقاومة المختلفة، والشروع فوراً، في تسليح الشعب بتنظيم صفوفه، فقد حلت لحظة المواجهة الشاملة، التي يجب أن تجمع كل مستويات المقاومة والتصدي لإسرائيل العنصرية واحتلالها الفاشي، رسمياً وفصائلياً وشعبياً.