الاعتقال الإداري.. مقال بقلم: أحمد أبو السعود

أقلام – مصدر الإخبارية 

هو اعتقالٌ تعسفيٌ وانتقاميٌ ولا يخضعُ لأيةِ معاييرٍ قانونية؛ إنما يتم وفق رغبة ومزاج ضابط المنطقة، ونتيجةً لاتساعِ هذه الظاهرة وممارستها على مدى عمر الاحتلال، فقد حدّد الصليب الأحمر الدولي طبيعة الاعتقال الإداري بأنه حرمان المعتقل من حريته تماماً، ولا يخضع لأيةِ سلطة قضائية إلا شكلياً، فلم توجه إليه أيةِ اتهامات، ورغم الإدانة الواسعة عالمياً لهذا الشكل من الاعتقال إلّا أن المخابرات الصهيونية أبقت الاعتقال الإداري وتستخدمه بكل وقتٍ تشاء، وتزايدت هذه الظاهرة مؤخراً، ففي هذا العام هناك ستمائة معتقل إداري جرى اعتقالهم قبل انتهائه، ووصل تعداد المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال إلى حوالي 800 معتقلاً منهم كثيرون يتم تجديد اعتقالهم لفترات عديدة، وكثيرون يتم الإفراج عنهم لكنهم لا يقضوا شهراً أو بضع شهور إلّا ويُعاد اعتقالهم.

جدير بالذكر أن هناك أكثر من 55 ألف فلسطيني وعربي اعتقلوا إدارياً منذ عام 1967، وفي فترات معينة أمضى بعضهم أكثر من عشرةِ أعوام دفعة واحدة، وهناك من أمضوا قرابة العشرين عاماً إدارياً على فترات، الذريعة للاحتلال أن المعتقل الإداري هو شخص يُشّكل خطراً عليه، فأيِ خطرٍ بعد قضائه كل هذه السنوات معتقلاً ومقيداً.

إن ممارسة الاعتقال الإداري بما يُمّثله من مخالفةٍ قانونيةٍ وإجرامٍ إنسانيٍ بحق الأبرياء (من لم يعترف يبقى بريئاً) يُعتبر سلوكاً مداناً عالمياً، وتعجز سلطات الاحتلال من الدفاع عن نفسها أمام العالم، ما يعني أننا قادرون على كسب الرأي العام العالمي الذي يدين الاحتلال على اعتقاله لمئات المعتقلين الإداريين، وصولاً إلى التخلص من هذا الاعتقال الإجرامي بحق أبناء شعبنا.

وقد أشار القانون الدولي إلى ضرورة أن يعرف المعتقل أسباب اعتقاله وبشكلٍ مفصل وباللغة التي يفهمها، وكذلك حق المعتقل بتوكيل محامٍ للدفاع عنه، مثلما يضمن له القانون الدولي التواصل مع أسرته بشكل منتظم.

كما أن سلطات الاحتلال تضرب بعرض الحائط بالمحددات التي يفرضها القانون الدولي على الاعتقال الإداري والذي هو استثنائي ومحدود، فيما يُلاحظ اتساع ظاهرة الاعتقال الإداري بين صفوف الفلسطينيين وبلا انقطاع كشكلٍ من أشكال الانتقام والعقاب الجماعي، فليس المتضرر هو المعتقل فقط وإنما أسرته أيضاً.

فيما مضى كان يقتصر الاعتقال الإداري على القيادات والرموز، لكنه امتد منذ سنوات عديدة ليطال شرائح المجتمع كافة فما فيها من نساء وأطفال وشبَّان وقيادات.. إلخ

للاعتقالات الإدارية انعكاساتٍ سلبية على نفسياتِ المعتقلين؛ فلا يعرف المعتقل كم سيمضي من الوقت قيد الاعتقال، وبعد انتهاء كل ستة شهور يلعبون بأعصابه وأهله، فكثيرون ممن يجددون لهم قرار الاعتقال صبيحة يوم إطلاق سراحهم، والبعض يعاودون اعتقالهم على باب السجن أو عبر أحد الحواجز وهو عائد إلى بيته، فيعاني وذويه جرَّاء هذه السياسة اللاإنسانية.

أما طرق الاعتقال، فيتفنن بها الاحتلال من حيث أشكالها وطرائقها، غايتهم إلحاق الأذى بالفلسطينيين وخاصة الأطفال؛ فالمداهمات بأنصاف الليالي تُشكّل حالة من الازعاج ليس فقط للمعتقل وذويه؛ وإنما للحي الذي يقطنه، وهم بهذه الحالة يوصلون رسالة تُعبّر عن وجه الاحتلال الحقيقي الذي هو أقبح الوجوه، كذلك جرت أحداث مأساوية، فهناك عدد من الأشخاص الذين ذهبت قوات الاحتلال لاعتقالهم قامت بتصفيتهم أمام أعين عائلتهم وبدم بارد، كثيرون من تعرضوا للتعذيب والتنكيل بهم أمام أعين أطفالهم وزوجاتهم، فلم يترك الاحتلال بشاعة إلا مارسها بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وبشكلٍ عام فإن الاعتقال بحد ذاته هو من أبشع الممارسات وأكبر إساءة ضد المعتقل، إلى جانب التخريب بالمنازل ومصادرة أموال ومصاغات من الذهب …الخ؛ فالاعتقال الاداري خارج نطاق القوانين من البداية وحتى النهاية، ما يوجب على العالم التوقف عن الصمت وإغماض الأعين عن هذه الجرائم النكراء.

بقي التحرر من الاعتقال الاداري رهينةً بيد الاحتلال بشكلٍ كامل لغاية عام 2012، إذا لم يتم إطلاق سراح أي معتقل إداري إلا وفقاً لقرار سلطات الاحتلال، لكن الأمر تغير نسبياً بعد أن خاض الشيخ “خضر عدنان” أول وأطول إضراب في حينه والذي استمر حوالي الشهرين، ما فرض على الجهات الأمنية الصهيونية الموافقة على أن ينهي فترة التمديد ثم يتحرر، بالفعل انتزع حريته مما دفع بعشرات المعتقلين الآخرين لخوض معارك فردية وحقق معظمهم حريتهم، ومن بين من خاضوا معارك الإضرابات الفردية المعتقل “بلال كايد” الذي أنهى فترة محكوميته البالغة خمسة عشر عاماً، وأحيل للإداري مستمراً بالإضراب حتى انتزع حريته.
جدير بالذكر هنا أن الأسير “سامر العيساوي” صاحب أطول إضراب بالتاريخ فترة تسعة شهور متواصلة، وخصوصيته أنه من أبناء القدس، حتى انتزع حريته وأثبت كما الآخرين أن إرادته أقوى من الاحتلال.

ما يزال سلاح الإضراب فاعلاً ويستخدمه الأسرى في السجون بشكلٍ جماعي والمعتقلين الإداريين بشكلٍ فرديٍ إلى أن قرر ثلاثون معتقلاً إدارياً من المقربين للجبهة الشعبية الإعلان والبدء بإضراب مفتوح بهدف كسر الاعتقال الاداري، لأنه الإضراب الجماعي الأول الذي لقي إسناداً ودعماً واحتضاناً عالمياً لم يسبق له مثيل في تاريخ الإضرابات الفردية، واستمر لتسعة عشر يوماً، رغم أن الاضراب لم يحقق أهدافه إلا أن موجات التضامن والدعم لم تتوقف، وبقي المطلب الواسع وخاصة في الساحة الأوروبية بإنهاء الاعتقال الإداري، ومن بين من كانوا مضربين في هذا الإضراب المناضل “صلاح الحموري” ابن مدينة القدس والذي اتخذ الاحتلال قراراً بإبعاده عن وطنه الى فرنسا الذي يحمل جنسيتها لجانب كونه فلسطينياً، وما تزال هناك الكثير من الحملات المطالبة بتراجع الاحتلال عن قراره بإبعاد الحموري وإنهاء سياسة الاعتقال الاداري.

من المفيد هنا الإشارة إلى أن من قرروا الاضراب هم أصحاب قرار جريء وثوري وهم الوحيدون المفروض أن يقرروا تاريخ إيقافه وليس أسرى في السجون غير مضربين، لأن الذي جرى تدخل أسرى تحت مسمى لجنة الطوارئ وقررت وقف الاضراب بناءً على وعود كاذبة من قبل رجالات الأمن الصهيونية، إن لفي ذلك عبرةً للمستقبل.

الاعتقال الإداري وصمة عار على جبين الاحتلال والعالم الصامت عن ارتكاب هذه الجريمة يومياً بحق أبناء الشعب الفلسطيني، مثلما استمرار الاحتلال عار على مدَّعي الدفاع عن حقوق الانسان وطعنة في صميم القانون الدولي العاجز أمام انتهاكاته من قبل حكومات الاحتلال.

اقرأ/ي أيضاً: جريمة حاجز حوارة.. بقلم الكاتب حسام الدجني