انتهاء عهد السلام وحل الدولتين ومراهنات أطراف السلطة

أقلام- مصدر الإخبارية

بقلم منذر خلف مفلح: بدأت معاهد الفكر والدراسات الاستراتيجية والأمنية، ووسائل الإعلام الصهيونية، والدوائر المحيطة بها، بإعادة هيكلة المفاهيم المؤسسة، أو الأسس التي تُبنى عليها السياسة الصهيونية في المرحلة القادمة، والتي سيكون عنوانها الأبرز (انتهاء عصر السلام والمفاوضات) ” إعدام أوسلو” وتبعاته، بما يعني تغيراً ملموساً في اتجاهات الفكر الصهيوني تجاه منطلقات الحل مع الفلسطينيين لتتوائم مع عددٍ مهمٍ من المتغيرات التي شهدها الكيان الصهيوني إثر نتائج الانتخابات الأخيرة، وما تلاها من مؤشرات على انتهاء عهد السلام؛ بل والمنظرون له في المجتمع والنظام الصهيونيين، ومن هذه المؤشرات:

1. الضربة القاسية التي تلقتها القوى (اليسارية) الصهيونية المقتنعة بالحل الصهيوني للمسألة الفلسطينية عبر الانفصال عنهم ضمن ما يُسمى “حل الدولتين”.

2. صعود التيار اليميني الفاشي، المؤمن بالضم، ويقوده “نتنياهو” الذي يؤمن بالحل الإقليمي، والسلام الاقتصادي، مدعوماً بالهرولة العربية للتطبيع.

3. الاتجاه العربي العام نحو التطبيع مع الكيان، والعمل المشترك معه.

4. النتائج المترتبة على الحرب بين أوكرانيا – روسيا، واعتبار “المتوسط الممر الآمن لإمدادات الطاقة نحو أوروبا.

5. الحديث عن نهاية عهد أبو مازن، كآخر شخص يمكن أن يكون شريكاً في السلام.

6. المؤشرات على مُمكنّات عودة ترامب لسدة الحكم الأمريكي.

7. رسوخ الانقسام وسادته ما بين غزة والضفة واعتباره منطلقاً لتقسيمات أخرى، رغم التطورات والمخاطر والدعوات التي لم تنجح في رأب الصدع الفلسطيني.

8. ظهور بوادر قيادية فلسطينية يمكنها التساوق مع الحلول الجزئية والمرحلية المجتزأة عن أوسلو (السلام الاقتصادي، تقليص الصراع، الحكم المدني الذاتي، مشروع الإمارات الثمانية، السلام الاقتصادي…الخ)، أو ما يُطلق عليهم صهيونياً “مرحلة ما بعد أبو مازن”.

9. ضعف المردود السياسي للقوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية ضمن ضغط الاحتلال عليها، ومحاربة السلطة لها، وبهتان الدور الفاعل لها.

10. فقدان السلطة لشرعيتها ومشروعيتها السياسية الثورية والانتخابية.

فلقد تصارعت فكرتي “إيغال ألون” و”موشي ديان”، “فألون” ذهب إلى امكانية الانفصال عن الفلسطينيين، مقروناً ذلك بضرورة إيجاد شخصية زعيم يقودهم، ضمن الشرط الصهيوني، وهو ما توفر في م.ت.ف بعد العام 1991، بحيث كان الهدف البحث عن شخص أو جهة لها رأس ثوري ووطني لتحويله لزعيم تابع يقود الفلسطينيين بعد الانفصال عنهم، وقد تطورت هذه الرؤية إثر أوسلو 1993، وتطور مفهوم السلطة نحو هذه الزعامة وإنتاجها زعامات متوافقة مع هذا الاتجاه، وتطور الانقسام وازدياد قوة حركة حماس، ودخولها معترك المشاريع السلطوية.

واقع السلطة عزز من رؤية الحلول المجتزأة لدى المفكرين ومراكز الفكر الصهيوني كمشروع الامارات الثمانية “للمستشرق الصهيوني” “موتي كيدار”، أو مشروع تعزيز سلطتي رام الله وغزة مالياً وأمنياً على حساب إيجاد حل سياسي عام وشامل.

أما الفكرة الأخرى التي دعا لها “ديان”، بالحكم غير المباشر عبر زعماء محليين في القرى والمدن الفلسطينية، وهو ما تم اختباره بنجاح على فلسطينيين 1948 منذ العام الأول لإنشاء الكيان.

إلا أن التطور الأخير في الفكر الصهيوني تجاه الحل مع الفلسطينيين والمدعوم بالمؤشرات السابقة يقوم على تصفية عهد السلام الذي أنتج أوسلو وسلطته كنظام حكم محلي باعتباره مشروعاً يسارياً، لصالح تبلور أفكار يمينية صهيونية استيطانية تقوم على ضم الأرض، وشرعنة المستوطنات، وتأهيل الفلسطينيين ليكونوا عبيد أو سقاة وحطابين، أو الترحيل الهادئ، أو تجميعهم في البانتوستونات التي تُعد لهم.
فهل يعني ذلك، حل الدولة الواحدة ثنائية القومية – أو غيرها؟

الجواب، لا بالطبع، فالأمر متيسر لوجود نظام فصل عنصري يكون فيه أغلبية مهيمنة، وأقلية عرقية مفتتة وخاضعة ضمن البانتوستونات المقترحة “الامارات السبع أو الثمانية”، مضافاً لها غزة، فالفلسطينيون حسب قناعة الاحتلال لم يعد لهم الأظافر التي تُمكنّهم أن يقاوموا بها، خصوصاً بعد تخلي بعدهم العربي عن مركزية القضية، باستثناء ذلك الصوت الخجول الصادر عن القمة العربية في الجزائر، وبعد أن تاهت قواهم الداخلية في انقسامٍ ومصالح، لم تثنيها كل التحديات الماثلة عن العودة عن انقسامها، بل أن الصهاينة مقتنعون بامكانياتهم على هندسة الواقع الفلسطيني من خلال الحديث عن وراثة أبو مازن والسلطة، وامكانية هندسة التعامل مع حماس في غزة، عبر الضغط الأمني والعسكري والمالي عليها من جهة كعصا، ومن جهة أخرى كجزرة، عبر تأمين العمل وتوسيع دوائر العمل في داخل الكيان، والذي يُعتبر أساساً مصلحة صهيونية وإدخال الأموال، *والاستثمارات منوط ذلك بالهدوء والتساوق أو بشكل واضح ” الطعام مقابل الهدوء”.

إن ما سبق ليس سيناريو سئ الإخراج، بل هو ما يعتقد به رواد اليمين الصهيوني الفاشي، الذين تُحركّهم العنصرية، ومفاهيم التفوق اليهودي، “ووضاعة” العنصر العربي الذي لا يمكنه أن يُشكّل نداً للقوة الصهيونية.

وفي النهاية، إن المراهنة على العالم المنشغل باحتياجات أوروبا الطاقية، وهواجسه الأمنية، ومخاوفه العسكرية، ومصالحه الاقتصادية، لن يُقدم على تنفيذ القرارات الأممية، أو يتدخل لإجبار اليمين الصهيوني على أن يكون أكثر إنسانية أو أقل خشونة في الملف الفلسطيني، وهو ما يعتقده أيضاً المفكرون الصهاينة الذين يحذرون من انفلات أمني، ويحاولون تصوره وتصور نطاقه، في حين أن السلطة التي لا زالت تكمم بيدها أفواه الأصوات التي تطالب بإصلاح م.ت.ف، وتفعيل المشروع الوطني وتثير حواله، خوفاً من استفزاز أمريكا أو البُعبع الصهيوني، لهو تأكيد على صحة المنطق الداخلي للصهاينة، بأنه سيوجد من يقبل بتمثيل أقل وحل أقل من دولة واحدة أو مشروع الدولتين فما الذي تراهن عليه السلطة؟!

لعلها تقدم أملاً لشعبنا بالإعلان عن ذلك السر العميق لطمأنينة ” القيادة الفلسطينية”!!، التي تقود السلطة، وترفض إعادة إصلاح م.ت.ف، أو أية مبادرات لإعادة ترميم المشروع الوطني أو المصالحة كجزء من إعادة اللحمة الوطنية والمؤسساتية لشعبنا، وحماس من الزاوية الأخرى ترفض بدورها تقديم تنازلات من موقعها كسلطة حكم وليس مقاومة فقط.

عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، مسؤول الإعلام في فرع السجون، مدير مركز حنظلة للأسرى والمحررين.

اقرأ/ي أيضًا: الواقع الجيوستراتيجي لإسرائيل والعلاقة بالواقع