المؤتمر الشعبي الفلسطيني وبقايا النظام

مقال- إسلام حسن حامد

قبل أن أدلي بدلوي -بحسب المثل الشعبي- أتقدم إلى الاستاذ “عمر عساف”، المقاوم المثقف الذي وقف صامدًا بكبرياء الفلسطيني المقاتل أمام بقايا الرجال -حكام المقاطعة في رام الله-

التحية والإجلال على مواقفه السامية، والاخلاق الرفيعة، والروح الوطنية التي تعالت على بغاة الطريق، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب.

ولأعود معكم إلى عنوان المقالة “المؤتمر الشعبي الفلسطيني” الذي من وجهة نظري؛ العنوان الموافق للفعل والمسار الذي تأخر سلوكه منذ زمن؛ لكن وأما وقد تحقق المؤتمر فهذا يعني أن خطوة الألف ميل تحركت إلى الأمام، وبدأ السعي نحو ما هو واجب على الكل الفلسطيني، ولقلة المعلومات التفصيلية لديّ حول المؤتمر بسبب وجودي في سجني “المكان والزمان” لدى العدو الصهيوني إلا أن عقلي ما زال متحررًا من قيود الدنيا و زنزانتها لأرجع قليلًا إلى الذاكرة القصيرة بعدما وجدت في أوراقي القديمة التي نهش السجن من ذكرياتها الكثير وأتعبها بثقل اللحظات العصيبة التي مرت عليها؛ إلا أن حروفها ما زالت تحمل صفاء أفكارها ونقاوة قائليها تُعرج على شيء من الحقيقة كان لابد من إعادة إحيائها.

ففي العام (1994م) عُقدت ندوة لصالح “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” التي نظمتها جامعة اكسفورد بعنوان (دراسات الديمقراطية في البلدان العربية) وبالتحديد “الديموقراطية والمستقبل الفلسطيني” بمشاركة العديد من الأسماء والشخصيات الفكرية فلسطينيًا وعربيًا كان منها الأستاذة ” فادية فقير” التي اختصرت أسباب المعضلات السياسية في العالم العربي باعتبار عدم وجود اتجاه أو سلوك ديمقراطي عند الفرد؛ لاتصال هذه الإشكالية بحالتنا الفلسطينية المستعصية، وقدمت رأيها حول أن الديكتاتورية تبدأ عندما نقمع الجانب الأنثوي ثم نقمع المختلف والآخر إلخ…

ومع تأكيدي لقولها الحاصل قبل عقود عدة؛ إلا أن الأمر أعمق من ذلك؛ وعليه أكدت في سياق حديثها حول الأسرة العربية والنظام الحاكم والجالس على رأسها، وفي قمتها باعتباره الكائن الأوحد وصاحب القرار الأوحد، وعلى ما يبدو أنه نصّب نفسه ليكون الإله الأوحد!!

وهذا الطبيعي من زعماء المنطقة العربية وأيضاً في الحالة الفلسطينية بخلاف أننا نعيش تحت أسوأ استعمار في التاريخ المعاصر؛ لذلك لم نتفاجأ عندما سمعنا أن حاكم المقاطعة في رام الله نصب نفسه رئيسًا للقضاء الأعلى استكمالا لاستعلائه الزائف الذي من خلاله ألغى كل السلطات والمسارات التي يمكن أن يوصف بها النظام الفلسطيني بأنه ديمقراطي؛ ليكون الأوحد المتفرد من بين الجميع.

الديكتاتور الذي امتلك كل السلطات -فهو الشعب والشعب هو- لا منازع له في ذلك، وعطفًا على هذه الفردانية المطلقة يخرج عموم الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وأماكن تواجده؛ ليعلنوا كفرهم لمعبد “الإله هاديس ” بحسب الآلهة الوطنية اليونانية القائم في مقاطعة رام الله، ويعلنوا إيمانهم بنور الله الذي تجسد في قلوب الأحرار من أبناء الشعب الفلسطيني العظيم السائرين في طريق الآلام الطويلة نحو عمارة الأرض وبركة الله في كل مكان.

ورغم كل ذلك تم عقد المؤتمر الشعبي الفلسطيني شاملًا الكل الفلسطيني إلا من أصر على الإنعزال والفرقة خدمة لمصالحه، ورعاية للمشروع الصهيوني؛ ليسقط إله الجحيم “هاديس” دون حراك في شر أعماله، ويبقى الشعب الفلسطيني واقفًا شامخًا فوق الجبال ينتظر الفجر الصادق يعلن النصر أو الشهادة مع غروب الشمس في الطريق نحو الله.

الشعب الفلسطيني من خلال هذا المؤتمر وبكل أطيافه قدم نموذج الوحدة في طريق التحرير رغم كل من يرفض ذلك حتى ولو كان ممن يحملون أسماءنا ويتحدثون بلغتنا؛ فلا ضير أستاذنا الفاضل “عمر عساف” مما حصل؛ فهذه درب الأحرار فيكفينا أن الرسالة من مؤتمرنا هذا قد وصلت للعدو والصديق معًا دون استثناء.