فصائل المقاومة

لماذا المقاومة الفلسطينية على المحك عقب العملية الصهيونية في نابلس؟

مقال- عرفات عبد الله أبوزايد

من المؤكد بأن بعض قادة قوى المقاومة بالأمس لم تستطع النوم على وقع العملية العسكرية التي قام بها جيش الاحتلال في مدينة نابلس التي استهدف خلالها عدد من المقاومين التابعين لكتيبة نابلس وعرين الأسود، بحيث لا يمكن لمن يؤمن بخيار المقاومة ووحدة وترابط الساحات أن تغفل عينه عن هذا المشهد الدامي، كما أنه لا يمكن اختزال انتهاكات الاحتلال على ما جرى في حارة الياسمين في البلدة القديمة في نابلس فقط، بل أن هذه المجزرة تأتي في سياق سلسلة منظمة وممنهجة يقوم بها جيش الاحتلال ضد مقاومي شعبنا في الضفة المحتلة بهدف اقتلاع فكرة المقاومة لدى الشباب الثائرين.

بغض النظر عن سردية الاحتلال التي تتعلق بــــ “اجتثاث” فكرة المقاومة، مع قناعاتي بأن دم الشهداء يؤسس دوماً لانخراط أكبر قدر من الشباب في العمل المقاوم، ولكن في ذات السياق لا يمكن إغفال التأثير المهم الذي يشكله مجموعة من الشباب والقيادات الصاعدة في الحالة الثورية بالضفة، وبالتالي أثر فقدان هؤلاء الشباب على بنية المقاومة الناشئة، والاحتلال كما يبدو يدرك بشكل دقيق تداعيات ذلك، ولذلك يهدف إلى تجريد حالة المقاومة بالضفة من الرموز وإفراغ هذه الحالة من المرشد والموجه.

على مدار الأسابيع الأخيرة لم يخلو يوم إلا ونفذ جيش الاحتلال عمليات ضد المقاومين في كتيبة جنين وكتيبة نابلس وعرين الأسود، وكانت تنتهي هذه العمليات إما باغتيال أو اعتقال مقاوم أو اثنين أو ثلاثة، وفي المقابل كانت الردود الفلسطينية على المستوى الرسمي والشعبي لا تتناسب وحجم تلك الجرائم، حيث أسهم ذلك بفتح شهية الاحتلال تجاه توسيع عملياته ضد المقاومين مخترقاً لكافة قواعد الاشتباك ومتجاوزاً للخطوط الحمراء، حيث شكل غياب استراتيجية فلسطينية موحدة لدى فصائل المقاومة بما يخص أحداث الضفة فرصة للاحتلال بممارسة أكبر قدر من القوة المفرطة بحق شعبنا بالضفة، وهذا التقدير لا يمكن تجاوزه أو محاولة اغفاله في سياق تحليل التدرج العملياتي لقوات الاحتلال في مدن الضفة.

دأب الاحتلال منذ بضع سنوات على النظر للمقاومة في غزة قبل ارتكابه أي جريمة بحق شعبنا بالضفة أو القدس، وذلك خوفاً من رد المقاومة بغزة، ولكن خلال الفترة الأخيرة بسبب تعذر دخول كافة قوى المقاومة في أكثر من معركة بشكل موحد جعل الاحتلال يقوم بترتيب حساباته وفق هذا المتغير الجديد، وبالتالي بناء استراتيجية جديدة تتعلق بسياسة الاستفراد، تارة يستفرد بالضفة، وتارة الاستفراد بفصيل مقاوم، وتارة الاستفراد بالقدس وأحيائها، مما منحه إمكانية توسيع عملياته بالضفة تحديداً التي تمثل الخاصرة الأضعف للاحتلال، ويشكل اغتيال وقتل أكبر قدر من الشباب المقاومين دفعة واحدة في نابلس أحد أشكال هذا التوسع، وكما يبدو أن هذه لازالت البداية لهذه الاستراتيجية، ولكن يبدو أن الاحتلال في حال “جس نبض” لهذه العملية أيضاً وتداعياتها.

يمكن القول بأن ما بعد العملية العسكرية للاحتلال في نابلس لن يكون كما قبلها، وذلك على الجانب الصهيوني والجانب المقاومة في ذات اللحظة، لا ننكر بأن هناك حالة ليست قليلة تنادي بأن تُعطى الأولوية والمبادرة للضفة بالوقت الراهن طالما أن هناك حالة تصاعد بالعمل المقاوم فيها، بالإضافة لهواجس لدى البعض تعتبر دخول غزة بالمشهد الحالي يمكن أن يعمل على تسكين وتهدئة الأوضاع في الضفة على حساب تصدر جبهة غزة للواجهة، وبالتالي تراجع العمل المقاوم بالضفة، ومن ثم وقوف الضفة في موقف المشاهد كما حدث في تجارب سابقة ومعارك خاضتها غزة لأجل الضفة والقدس، وهناك من يقول بأن الاحتلال يسعى لاستفزاز المقاومة بغزة عبر ارتكابه المجازر بالضفة حتى يقوم بدفع غزة للرد وبالتالي يُمنح الاحتلال فرصة للقضاء على مقدرات وقيادات المقاومة بغزة التي تعاني اصلاً من حصار ودمار، كافة هذه التحديات والمخاوف هي مشروعة وواردة ومن غير الممكن أن يتم تجاهلها في إطار وضع تقدير موقف دقيق للأحداث الجارية بالضفة، ولكن كافة هذه التحديات تضع المقاومة أيضاً على المحك، حيث أن الاحتلال لديه نوايا أعلن عنها وهي بأن عملياته بالضفة ستستمر على طريقة ما حدث في نابلس وبشكل أقوى في الأيام والساعات المقبلة، وبالتالي المقاومة أمام خيارات صعبة وتحديات كبيرة، هل تقف تراقب وتتابع ما يحدث وهي مكبلة وغير قادرة على الرد في ظل قيام الاحتلال يومياً باغتيال وقتل عناوين ورموز المقاومة بالضفة، أم تنخرط بالرد على الاحتلال بحيث لا تسمح له بالاستفراد بأي ساحة من ساحات الوطن.

المقاومة اليوم وأكثر من أي وقت مضى مطلوب منها بل فرضاً عليها أن تناقش بشكل عميق الأحداث الجارية على الساحة الفلسطينية، وما يكتنف ذلك من تحديات وتهديدات تعتري بيئة المقاومة بالضفة وغزة، وما هي الاستراتيجيات المناسبة التي يمكن التعامل معها في ظل الحالة الراهنة، وذلك مع وضع في الاعتبار بأن أي إجراء تقوم به المقاومة يجب أن يهدف في نهاية الأمر إلى تشكيل حالة ردع للاحتلال تجاه استسهال تنفيذه عمليات القتل التي يقوم بها بالضفة، مع أهمية أن تكون كافة قوى المقاومة خلف رؤية واحدة ومتفق عليها، خاصة وأن الشباب الثائر بالضفة ينظر إلى غزة كحالة إلهام، وعبارة عن سند وداعم له، وهذا الدعم لا يجب أن يكون سقفه تنظيم مسيرة شموع متضامنة مع شهداء الضفة على شاكلة هذا النوع من المسيرات الذي ينفذها بعض الجاليات والمتضامنين مع الشعب الفلسطيني في بعض مدن أوروبا، على أهمية كافة الفعاليات الشعبية إلا أن ما يجري بالضفة وعملية التصفية التي يقوم بها الاحتلال ضد مقاومينا وشعبنا بشكل يومي ووحشي يضعنا أمام تحدي كبير وتهديد استراتيجي يتعلق بمستقبل المقاومة برمتها في ساحة الضفة.

Exit mobile version