جنين المظفرة.. أيقونة الانتفاضة المتقدة

أقلام – مصدر الإخبارية

جنين المظفرة.. أيقونة الانتفاضة المتقدة، بقلم الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية محمود العجرمي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

تعيش ضفة القسام وأيقونتها جنين يعبد إرهاصات انتفاضة عارمة بدأت تباشيرها العظيمة منذ أشهر ممتدة، وتتعزز الحاضنة الشعبية المباركة في كل قرى ومدن ومخيمات الصمود، وتتشكل كتائب المجاهدين التي تؤكد كل يوم أنها مستمرة في زلزلة الأرض تحت أقدام العدو ولن تثنيها جسامة التضحيات وتعدد المؤامرات عن المضي قدماً حتى تحرير الوطن من أقصاه إلى أقصاه.

ويتضح جليًّا أنَّ الاحتلال فشل فشلاً ذريعاً على مدار الأشهر الماضية في احتواء المقاومة المتصاعدة ليس فقط في جنين ومخيمها، وإنما في جُلِّ الضفة الفلسطينية المحتلة.

كما شكلت عدوانات جيش الاحتلال وجرائم القتل الميداني عوامل إذكاء ووقود يُشعل الثورة العارمة التي نشهد اندلاعها في كل ركن من ضفة العياش، وهو الذي اعتقد واهماً أنه سيردع فرسان المقاومة عن المضي على طريق الجهاد والدفاع عن أرض الوطن المحتل أياً كانت جسامة التضحيات، وقد أدرك هذا الشعب العظيم أن المقاومة الشعبية وفي القلب منها المقاومة المسلحة عامل الحسم والظفر الأكيد.

لقد احتلت العمليات العسكرية لأبطال المقاومة صدر صفحات صحف ووكالات أنباء العدو والأخبار الأولى على شاشات قنواته الفضائية. وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية قد أشارت في تقريرها إلى ما سمته “الخلايا المسلحة” التي تظهر في جنين ونابلس والخليل والقدس وطولكرم وبيت لحم، بأنهم “المقاتلون الجدد الذين يحظون بتأييد جَمْعي، وينشرون عبر شبكات التواصل الاجتماعي اشتباكاتهم مع الجيش ويقودون عمليات إطلاق النار في الموجة المحتدمة الآن وهم يستغلون ضعف السلطة وتنوع الدعم الذي تقدمه الفصائل لهم.

وتضيف الصحيفة: “إن هؤلاء المقاتلين من “مقاومة جنين” و”عرين الأسود” باتوا جزءاً من حياة الفلسطينيين ويحظون بدعم وإجماع شعبي”.

تداعيات العملية العسكرية على مخيم جنين التي امتدت حتى المدينة صباح الأربعاء الفائت واستشهد على إثرها 4 من المقاومين وأصيب عشرات المدنيين بجراح، تمتدُ فصولاً ولن تتوقف بل سيزداد سعيرها في مواجهة عدوان الاحتلال وجرائمه وَصَدّ جيش العدو ومستوطنيه دفاعاً عن قدسية الأرض ولإفشال كل مشاريع الأسرلة والتهويد.

وكان ضابط في وحدة المستعربين الخاصة قد كَشَفَ أن “القوة تعرضت لكثافة نارية كبيرة وعبوات متفجرة من كل مكان”، وقد وصف الموقف بأنه “مصيدة موت”، وأنه لم يتعرض خلال سنوات خدمته العسكرية لمثل ما تعرض له من لحظات عصيبة حين فُتِحَت على وحدته النار من مئات البنادق وعبوات ناسفة کادت أن تقضي على جميع أفراد القوة الخاصة.

ويضيف قائد الوحدة أن أربع عبوات ناسفة انفجرت وشعروا بأن الأرض تميد تحت أقدامهم إذ أصبحوا في عين العاصفة تحت وابل آلاف الطلقات، وكانت الاشتباكات غير مسبوقة.

هذا الضابط الذي خدم في جيش الاحتلال منذ 30 عاماً وكان في وحدات اليمام ودفدفان والمستعربين، يؤكد أن القتال مع رجال المقاومة يختلف تماماً عن أي زمان انقضى، وأن صراعات محتدمة تجري بين القيادات السياسية والأمنية والعسكرية في كيفية علاج ومواجهة هذه التطورات التي تزيد مآزق هذه “الدولة” تعقيداً ومن بينها قرار رئيس الأركان أفيف کوخافي تنفيذ هجمات مضادة جواً باستخدام طائرات الدرونز، في الوقت الذي يعتقد فيه قادة آخرون أن هذا قد ينجم عنه “قتلى كُثر” بما سيزيد من المعضلات التي تواجه جيش العدو ويرفع وتيرة الغضب العارم في الضفة المحتلة، ويضع كوابح جديدة تدفع التردد الحالي إلى خشية تكبر رويداً من التفكير في اقتحام المناطق الفلسطينية وهو ما سيمنح المنظمات الفلسطينية وخلاياها المسلحة المزيد من حرية العمل.

كل ذلك يجري في أرض خصبة للتراشق الشعبوي بين الأخصام في بازار انتخابات الكنيست التي تهرول كُتَلُها نحو اليمين المتطرف الذي يرى في الولوغ في الدم الفلسطيني ورقته الرابحة نحو سدة الحكم في الكنيست والحكومة القادمة.

ويشير إعلام العدو أن الجيش أوقف عملياً الضربات الجوية في الضفة خلال الانتفاضة الثانية عام 2000م، وأنه استخدمها فقط في المناطق التي لا يتمكن فيها الجيش من العمل بحرية وأن قواته قد تكون معرضة للخطر.

ویبرز بوضوح أن قادة العدو مربكون تماماً في كيفية مواجهة التطورات العسكرية الميدانية المتسارعة في ضفة القسام وذلك قبيل الانتخابات البرلمانية مطلع شهر تشرين الثاني القادم، بين عمليات الإغارة الجارية الآن لسويعات وبين عملية عسكرية واسعة في جنين، أو عملية تغطي الضفة برمتها وهذا أشد ما تخشى إنفاذه قيادة العدو وتحديداً المتورطين في الماراثون الانتخابي، حتى إن معظم ضجيجهم الإعلامي الحربي له دوافع سياسية دعائية انتخابية أكثر من أن تكون عسكرية عملياتية، فنتائج أي عدوان واسع قد يُسقط القيادات التي أمرت بتنفيذه كما أكدته وقائع العدوانات الممتدة منذ عدوان تموز 2006 على جنوب لبنان وتلك على قطاع غزة العِزَّة منذ عام 2008/2009 حين سقط إيهود أولمرت مروراً بعدوان عام 2012 حين سقط ایهود باراك، وتلاه عام 2014 حين انكفأت القيادة العسكرية لموشي يعلون، وداني دانون، وبيني غانتس، وعام 2018 بسقوط أفيغدور ليبرمان، وعام مجد معارك “سيف القدس” عام 2021 حين اندحر بنيامين نتنياهو.

عباس يُنفذ حرفياً أوامر سادته الصهاينة فيلتقي قادة أجهزته الأمنية مع المحافظين ونفر من العبيد المخلصين للعدو الفاشي في محاولة بائسة ويائسة لفض انتفاضة الشعب العَصيّ على الانحناء، والكابنيت الصهيوني يجتمع بين حين وآخر عل وعسى أن يُثمر هذا التقاسم الوظيفي الآسِن غير الخيبة والسقوط.

وعلى ضوء ذلك فقد شهد الخميس الماضي اجتماعاً لقيادات الجيش النازي قرر فيه تغيير سياساته الأمنية في جميع مستوطنات الضفة وغور الأردن، بتخصيص عناصر أمنية جديدة وتعزيز خططه الأمنية على خلفية ما سماه “التوترات الخطيرة” والهجمات التي تتعرض لها المستوطنات ووحدات الجيش وحواجزه على الطرقات.

أما القناة العبرية الـ12 فقد أشارت من جهتها إلى أنَّ الجيش لم يزل يدرس مخططاً لتنفيذ عمليات أوسع داخل جنين، ولكن القادة يخشون أن يؤدي ذلك إلى اتساع واحتدام انتفاضة الضفة، بل وإشعال جبهة غزة، التي قد يمتد أوارُها إلى الشمال مع حزب الله، مآزق تتعدد جبهاتها وعدد اللاعبين على أرضيتها فتؤكد حجم تآكل قدرة الردع لدى الجيش الذي بدأ يُحصي خطى العد التنازلي حتى الأُفول، والمدى الذي وَصَل إليه توازن الرعب.

إنها إرادة الله ثم شعب قَرَّر النصر.

أقرأ أيضًا: في ظلال رمضان الخير.. العدو يُصعِّد والمقاومة تستعد