غاز غزة

غاز غزة هل تُخرجه الأزمات الدولية؟

رؤى قنن – مصدر الاخبارية

يشكل اكتشاف حقل “غزة مارين” الفلسطيني الانطلاقة العالمية للبحث عن الغاز في بحر المتوسط بوصفه أول اكتشاف في المنطقة الغنية بالغاز.

ويشكل هذا الاكتشاف واحد من أهم الفرص أمام دولة فلسطين التي تعاني من شحّ في موارد الطاقة وسط معاناتها من الاحتلال الإسرائيلي.

وعلى الرغم من اكتشاف حقل غزة البحري منذ أكثر من 21 عامًا، فإن موارده ما زالت حبيسة الأرض، ولم تُستَغل حتى اللحظة، نتيجة منع الاحتلال الإسرائيلي، ومرور القضية الفلسطينية بتقلبات سياسية وانقسامات ما زالت تمنع ذلك.

الاكتشاف

في أواخر عام 1999, وعلى بعد 30 كيلومترًا من شواطئ قطاع غزة، اكتشفت السلطة الفلسطينية ، أكثر من 1.1 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية التابعة لها.

وكانت السلطة الفلسطينية منحت عمليات التنقيب في تلك المنطقة الواقعة بالقرب من غزة إلى تحالف مكون من شركة “بي جي” التابعة في ذلك الوقت إلى بريتيش غاز البريطانية، قبل استحواذ شركة شل عليها، وصندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين، بعقد استكشاف مدّته 25 عامًا.

بداية عام 2000، توصّل التحالف إلى كميات من الغاز موزّعة على حقلين أكبرهما حقل غزة مارين، والآخر يدعى بوردر فيلد بعمق 600 متر تحت سطح البحر.

وتشير التقديرات إلى أن حقل غزة مارين يحوي أكثر من تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، مع إمكان إنتاج غاز بمعدل 1.5 مليار متر مكعب سنويًا من حقلي الغاز معًا.

ومع تصاعد أحداث انتفاضة الأقصى عام 2000، رفض رئيس وزراء إسرائيل، أرئيل شارون -حينذاك- شراء غاز حقل غزة مارين، ثم حدثت تدخلات أميركية، ولكنها في نهاية الأمر آلت بالفشل بحجّة إسرائيلية، مفادها: منع تمويل الإرهاب.

وفي عام 2006، ومع تولّي حكومة إسرائيلية جديدة برئاسة إيهود أولمرت، استؤنفت المفاوضات مرة أخرى بين الحكومة الإسرائيلية وشركة بي جي البريطانية -مكتشفة الحقل-، لكن تل أبيب وضعت شرطًا بخصوص مرور خط أنابيب نقل غاز الحقل إليها يجعلها تتحكم في إمدادات الغاز لقطاع غزة، وهو ما رُفِض من قبل الشركة البريطانية.

ومنذ ذلك الوقت، توقّفت أيّ مفاوضات جدّية بين فلسطين وإسرائيل بشأن حقل غزة البحري، وما زاد الأمر تعقيدًا، فوز حركة حماس في 2007 بإدارة قطاع غزة، ومن ثم اكتشاف إسرائيل حقلي الغاز “تامار” و”ليفياثان” باحتياطيات ضخمة عامي 2009 و2010، وهو ما زاد تعنّتها بشأن مفاوضات الحقل، خصوصًا مع تحوّلها من دولة مستوردة لذلك الوقود الأحفوري إلى مصدّرة له.

خروج شل من الحقل

في عام 2015، استحوذت شركة شل العالمية على شركة “بي جي” ذراع التنقيب لشركة بريتيش غاز، في صفقة وُصفت وقتها بأنها الأكبر في قطاع الطاقة منذ عقود.

وبذلك أصبحت شل هي صاحبة حق تطوير حقل غزة مارين للغاز بحصّة 55%، ولكنها اختارت الخروج منه؛ بسبب صعوبة تطوير الحقل والاستفادة من موارده.

وبالفعل في نيسان(أبريل) 2018، توصَّل صندوق الاستثمار الفلسطيني إلى اتفاق مع شركة شل العالمية يقضي بخروجها من تطوير الحقل غزة البحري.

وبعد خروج شل من الحقل، قامت السلطة الفلسطينية بتكوين تحالف جديد، وبحصص جديدة، يتكون من صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين بنسبة 27.5% لكل منهما، مع تخصيص 45% لشركة تطوير أخرى.

وظلت بعدها حالة من عدم الوضوح بشأن تطوير حقل غزة مارين، حتى عاد الحديث عنه من جديد، بعد تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط للغاز في نهاية 2019، الذي يضم 7 دول أعضاء، هي: مصر، والأردن، وفلسطين، واليونان، وإيطاليا، وإسرائيل، وقبرص.

الدور المصري

في شباط(فبراير) 2021، وقّعت وزارة البترول المصرية، ممثلة في الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيغاس”، مذكرة تفاهم مع الأطراف الشريكة فى حقل غاز غزة البحري، وهي صندوق الاستثمار وشركة اتحاد المقاولين.

وتهدف مذكرة التفاهم إلى تطوير حقل غزة، للعمل على توفير احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي، مع إمكان تصدير جزء من إنتاجه لمصر.

وحتى اللحظة الراهنة، ورغم تأكيد إسرائيل في كانون(يناير) الثاني 2020، خلال انعقاد الاجتماع الوزاري الثالث لمنتدى غاز شرق المتوسط، بأن المنتدى سيكون عاملًا مساعدًا على تنمية حقل غزة البحري، من غير الواضح موعد بدء تطوير الحقل واستخراج الغاز منه.

ومع كل اجتماع لمنتدى غاز شرق المتوسط، تخرج تصريحات مصرية فلسطينية على أحقّية فلسطين في تطوير مواردها من الغاز.

وعلى هامش الاجتماع الوزاري لمنتدى غاز شرق المتوسط المنعقد منتصف حزيران(يونيو) 2022، أكد وزير البترول المصري، طارق الملا، موقف بلاده الثابت والداعم لحقوق فلسطين في استغلال مواردها الطبيعية، وسيادتها على تلك الموارد، وفي مقدّمتها حقل غزة مارين.

وقال طارق الملا: “إن مصر لا تتوانى عن دعم كل ما يمكنه الإسهام في تنمية اقتصاد فلسطين”.

وأوضح الدكتور أنس الحجي خبير اقتصاديات الطاقة، أن الحديث عن غاز غزة يجب أن يأتي في إطار الحديث عن شرق المتوسط، لا سيما مع دخول حفّارة تركية جديدة، وما يشاع بشأن اكتشاف غازيّ ضخم جديد في قبرص.

وأوضح الحجي أن منطقة شرق المتوسط شهدت الكثير من التطورات في الآونة الأخيرة، دفعت إلى التساؤل حول إمكان أن يسهم الغاز القادم من غزة في حل أزمة الطاقة التي تواجهها قارة أوروبا، التي تتوقع أن تتفاقم أزمة نقص الغاز مع دخول فصل الشتاء.

وأضاف أن حقل غزة مارين هو الذي أعطى الإشارة بأن هناك غازًا في البحر المتوسط قبل الاكتشافات المصرية أو الإسرائيلية والقبرصية واليونانية.

وأوضح أنه بسبب المشكلات السياسية، كان الإشراف على غاز غزة من جانب الشركات الأجنبية، أمّا اليوم، فإن حقل غزة مارين مملوك بنسبة 100% لصندوق الاستثمار الفلسطيني “بي آي إف”، الذي اشترى قبل عامين جميع أصول شركة شل في الحقل.

لذلك، وفق عواد، فإنه بعد 22 عامًا، نجد أن هذا الحقل غير المتطور يحتوي على احتياطات معلنة -رغم أنه ليس مثبتًا مرور وقت كبير عليها- تبلغ نحو مليار متر مكعب من الغاز، وهي كميات تكفي استهلاك الضفة الغربية لمدة قد تصل إلى 15 عامًا.

الاستثمار في غاز غزة

وأشار خبير أسواق الطاقة طارق عواد، إلى أن السلطة الفلسطينية شريكة في منتدى غاز شرق المتوسط، وهي -وفق تقديره- أكثر منظمة دولية متقدمة من ناحية الحضور والمشاركة.

وتابع: “ما يحدث اليوم هو أن غاز غزة أصبح له ملف مصري، ووُقِّعَت مذكرة تفاهم في شهر تموز(يوليو) الماضي بين صندوق الاستثمار الفلسطيني والحكومة المصرية، لتطوير هذا الغاز”.

وحول إمكان الاستثمار في غاز غزة، والشركات التي يمكنها أن تقوم بهذا الاستثمار، قال طارق عواد، إن البنية المتوقعة لاستثمار حقل غزة مارين هي نحو مليار ونصف المليار دولار، بأسعار قبل 4 سنوات، ويجوز أن تبلغ حاليًا مليار و800 مليون دولار.

وأضاف “لكن نحن الآن نتحدث عن بئر استكشافية واحدة، وهناك حوض كبير في هذه البئر يبلغ 33 كيلو مترًا، والمميز في الأمر أن عمقها يبلغ 700 متر فقط، وهذا ما يميز آبار غزة عن الآبار التي تديرها إسرائيل، والتي يبلغ عمقها من 2500 إلى 4 آلاف متر، والآبار اللبنانية التي يبلغ عمقها 5 آلاف متر”.

وأوضح أن ما نراه الآن هو مزيج ما بين السياسة المحلية والسياسة الإقليمية، مع الخلاف بين حركتي حماس وفتح، وهي كلها أمور تمنع تطوير حقل غزة مارين، أو تحقيق الاستقلالية له.

 

Exit mobile version