اتفاق أوسلو.. قبرته إسرائيل منذ 27 عامًا ولا تزال السلطة تجري وراء سراب السلام والدولة

خاص مصدر الإخبارية – أسعد البيروتي

مثّل اتفاق أوسلو الذي وقعته السلطة الفلسطينية وإسرائيل برعايةٍ ومباركة أمريكية عام 1993، خيبة أمل كبيرة بالنسبة للفلسطينيين الذين رأوا فيه “مصيدة” وابتزازًا سياسيًا مُبطنًا للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

اتفاق لم تُبق “إسرائيل” منه شيئًا في ظل التغول الاستيطاني، وزيادة الاعتداءات والانتهاكات المستمرة بحق أبناء شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، ناهيك عن الإعدامات الميدانية لعشرات المدنيين العُزل على الحواجز والطرقات بدمٍ بارد.

أسوأ وثيقة مُوقَعة

يقول القيادي في حركة حماس محمد المدهون، إن “اتفاق أوسلو كغيره عندما يتعلق الأمر بالمآسي التي يتعرض لها الفلسطينيون، فلكل مناسبة فلسطينية حكاية، ومعاناة من نوعٍ جديد حيث ارتكب الاحتلال وقُطعان مستوطنيه جميع الفظائع بحق الشعب الفلسطيني، ومارس كل الجرائم المروّعة في مواجهة شعبٍ أعزلٍ دفع كل الأثمان في مواجهة مشروع الاحتلال والاستيطان”.

وأضاف المدهون في تصريحاتٍ لشبكة مصدر الإخبارية، أن “أوسلو يُعد أسوأ وثيقة أضرت بحق شعب تحت الاحتلال في أرضه و قدسه وخلقت شرخًا طوليًا في جدار وحدة الشعب الفلسطيني الوطنية ومشروعه التحرري”.

وأشار إلى أنه بموجب “أوسلو” اعترفت دولة الاحتلال بمنظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، كما اعترفت المنظمة بإسرائيل ما مكّنها من السيطرة على 78% من أراضي فلسطين”.

وأوضح أن اتفاق أوسلو قام على مطالبة السلطة الفلسطينية بنبذ الإرهاب والعنف (منع المقاومة المسلحة ضد الاحتلال) وحذف البنود المتعلقة بها في ميثاقها، على أن يتم خلال خمس سنين انسحاب “الاحتلال” من الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل أولها أريحا وغزة اللتان تشكلان 1.5% من أرض فلسطين، وصولاً إلى دولة في حدود 1967م ولكنه مسار السراب بعد مُضي عشرات السنين.

ويرى “المدهون” أن اتفاق أوسلو فتح الباب للتطبيع وضياع الحلم، كما كانت صافرة البدء للانقسام الفلسطيني الشرخ الطُولي الممتد حتى يومنا هذا، لكن أوسلو فشلت في الفكرة والتطبيق وساهمت في المزيد من الاستيطان الذي قضم القدس والضفة الغربية”.

ولفت إلى أن أوسلو ساهم في زيادة أعداد المستوطنين في الضفة من (65) ألف إلى مليون تقريبًا، حيث وفرت لهم السلطة الفلسطينية الأمن عبر “التنسيق الأمني”، واليوم وصل أوسلو إلى الجدار الأخير بإعلان فشله وموته من أصحابه وعرابيه ورعاته، ولكن ما زال الشعب الفلسطيني يدفع فاتورته حتى قبره.

الخشية على المصالح والمكاسب

يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري، إن “ما يخيف القيادة الرسمية من المواجهة ومن تبعات تغيير مسار أوسلو، وما يقلق المعارضة ويجعلها مترددة من بلورة البديل العملي للاتفاق، هو الخشية على مصالحهما والمكاسب والمناصب التي حصلتا عليهما، وهيمنة وترسّخ اليمين الإسرائيلي، وسيطرته الكاسحة على دولة الاحتلال، على عكس توقعات الكثيرين، الذين راهنوا على تراجع “تل أبيب”، وأنها على وشك الزوال، أو راهنوا على المصالحة التاريخية مع الحركة الصهيونية.

وأضاف المصري، “ما يجري اليوم هو محاولات إسرائيلية محمومة لحسم الصراع، وتصفية القضية الفلسطينية من مختلف أبعادها، مستشهدًا بما يحصل في القدس والأقصى وعموم الضفة الغربية من تهويد وتهجير واستعمار واستيطان وعنصرية، ومن عدوانٍ عسكري متكرر وحصار مستمر لقطاع غزة، وتطبيق قانون القومية العنصري في إسرائيل، وتكثيف المساعي الحثيثة لتصفية وكالة الأونروا، وتغيير تعريف اللاجئ، وتوطين اللاجئين، وشطب حق العودة، وتهجير اللاجئين إلى مناطق لجوء جديدة”.

كارثة كبيرة للشعب الفلسطيني

استاذ العلوم السياسية في الجامعات الفلسطينية صلاح عبد العاطي، إن “نتائج اتفاق أوسلو شكّلت كارثة كبيرة للشعب الفلسطيني حيث قطع السياق الوطني التحرري للنضال الفلسطيني وأٌقتصر على سلطة حكم ذاتي أدنى من الدولة، مع تغييب باقي الحقوق والمقاربات القانونية بالقضية الفلسطينية وخاصة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وتأجيل النقاش حولها ضوء الاتفاق المرحلي على مدار خمس سنوات للانتهاء من قضايا الحل النهائي”.

وأضاف في تصريحاتٍ لشبكة مصدر الإخبارية، أن “اتفاق أوسلو قُبِر بموت رابين وانتهاء قمة كامب ديفيد عام 2000 دون مخرجات واضحة، لتبقى السلطة الفلسطينية تعمل ضمن مقاربات اتفاق أوسلو، والاتفاق الثنائية التي أُبرمت بعده كبروتوكول باريس الاقتصادي أو الاتفاقيات الأمنية”.

وتابع، “لم يبقَ من الاتفاق سوى استخدام إسرائيل السلطة الفلسطينية حاليًا كوكيل أمني واقتصادي للاحتلال تحمل عبئه وكُلفته بديلًا عن النضال الوطني من أجل استرداد الحقوق وتجسيد الدولة الوطنية الفلسطينية، وللمرة الأولى في التاريخ تقوم حركة تحرر وطني بالتفاوض على الحقوق لا تبني خَيار انتزاع الحقوق ما سمح بتبني الفلسطينيين مقاربة سياسية وقانونية أدنى من معايير القانون الدولي التي منحت الفلسطينيين الحد الأدنى لقرارات الشرعية الدولية”.

وأشار إلى أن اتفاق أوسلو تسبب في زيادة أعداد المستوطنين بالضفة الغربية، والتوسع الاستيطاني، وعمليات التنكيل بالمواطنين الفلسطينيين وعمليات الإعدام الميداني والعدوان المستمر على قطاع غزة، وعدم الاعتراف بأيٍ من الحقوق الوطنية من خلال سياسة الأمر الواقع وفرض التقسيم الزماني والمكاني في غزة والضفة والقدس وفصلها عن بعضها البعض”.

وأكد عبد العاطي، أن “المستفيد الوحيد مما يجري اليوم هو الاحتلال الإسرائيلي، ودون تبني السلطة الفلسطينية خَيارًا بديلًا يقوم على التحلل من التزامات اتفاق أوسلو كافة، وإعادة بناء مؤسسات الحركة الوطنية وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية والتي اعتمد مجلسها المركزي جملةً من القرارات أكدت على ضرورة الانسحاب من الاتفاقات الثنائية وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال”.

وشدد على أن القيادة الفلسطينية باتت مصالحها مرهونة بوجود الاحتلال، وأصبح بقائها قائم على حساب الحقوق الوطنية، إضافة لحالة الانقسام السياسي وعجز الحركة الوطنية عن إيجاد بدائل في ظل حالة الانقسام الذي تسببت في نتائج كارثية على الشعب الفلسطيني، لا يزال يُعاني المواطنون من تداعياتها حتى يومنا هذا”.

ولفت إلى أن “الحركة الوطنية باتت اليوم عاجزة عن إعادة بناء وترميم منظمة التحرير الفلسطينية في إطار جبهوي يقود حركة التحرر الوطني لعملية بناء ديمقراطي للمجتمع الفلسطيني سعيًا لأن تكون السلطة خادمة للمشروع الوطني ونقل الوظيفة السياسية إلى منظمة التحرير”.

ودعا عبد العاطي إلى “ضرورة تفعيل الحركة الوطنية الفلسطينية لتكون قادرة على مواجهة التحديات والتهديدات الحقيقية، خاصةً وأن اتفاق أوسلو شكّل نكسة للشعب الفلسطيني ما يستوجب تجاوزها لانتزاع حق تقرير المصير”.

إسرائيل جرفت اتفاق أوسلو

الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، يرى أن “إسرائيل جرفت الآمال التي عقدها الفلسطينيون على إمكانية تحقيق السلام والحصول على حقوق سياسية مِن خِلال اتفاقية أوسلو، مؤكدًا على أن وجود السلطة الفلسطينية يعني بقاء اتفاق أوسلو المتمثل في اتفاقية باريس، والتنسيق الأمني، واعتراف منظمة التحرير بإسرائيل، في الوقت التي لم يعد بإمكان الاحتلال البحث عن حلول سياسية لإنهاء الصراع القائم”.

فرصة تاريخية للاحتلال

أما المختص في الشأن الفلسطيني مصطفى إبراهيم، فيرى أن “مع انتهاء المرحلة الأولى لاتفاق أوسلو عام 1999 لم يُحقق الفلسطينيون أي من أهدافهم السياسية التي كانوا يرغبون في تحقيقها، حيث جاء نتنياهو للقضاء على ما تبقَ من اتفاق أوسلو حيث لم يلتزم منذ توليه رئاسة الوزراء عام 2009 بأي مفاوضات سياسية رغم المحاولات الأمريكية”.

وأضاف في تصريحاتٍ لشبكة مصدر الإخبارية، “ما نشاهده اليوم من انقسام فلسطيني الذي شكّل فرصةً تاريخية لدولة الاحتلال لتفويض اتفاق أوسلو رغم تمسك السلطة الفلسطينية به حتى يومنا هذا، في ظل توجد الاحتلال نحو انهاء الصراع عبر التوسع الاستيطاني والتغول الوحشي بحق المواطنين الفلسطينيين في مسافر يطا وجميع أماكن تواجدهم”.

ويرى الفلسطينيون في اتفاق أوسلو المُوقع بين السلطة وإسرائيل نكسةً حقيقية، حيث منح الاحتلال الضوء الأخضر لتشديد إجراءاته ضد الفلسطينيين ومصادرة حقوقهم وانتزاع هويتهم الوطنية.

أقرأ أيضًا: 29 عام على توقيع اتفاق أوسلو.. تعرّف على أبرز بنوده ونصوصه