السعودية واسرائيل: التطبيع بوتيرة الصحراء.. بقلم/ يوئيل غوجنسكي

أقلام-مصدر الإخبارية

زيارة الرئيس بايدن إلى “اسرائيل” والسعودية في تموز 2022 رفعت مرة اخرى مسألة تطبيع العلاقات بين الدولتين الى جدول الاعمال.

كان واضحا منذ 2020 ان الرياض تعمل ما يشبه التطبيع الزاحف لتهيئة التربة بمسيرة في نهايتها يتاح انفتاح متزايد من جانبها تجاه “اسرائيل”.

في الزمن الذي انقضى تغيرت الادارة في الولايات المتحدة وبينها وبين إيران بدأت مفاوضات للعودة الى الاتفاق النووي. وفي اسرائيل توجد حكومة مختلفة وتعمقت العلاقات بينها وبين دول مركزية في المنطقة في إطار اتفاقات السلام. وهي تطورات تؤثر على موقف السعودية من العلاقات مع “اسرائيل”.

منذ تسلم ابن سلمان منصب ولي العهد اساسا، بدا ظاهرا تغيير تدريجي وبطيء في المملكة بالنسبة لمسألة العلاقات مع “اسرائيل” وتوجد اشارات على حلول وسط محتملة في هذا الشأن.

وعلم ضمن امور اخرى بمشاركة متزايدة من القطاع الخاص في “اسرائيل” في الصفقات في مجال التكنولوجيا والزراعة في المملكة بل وتزايد اللقاءات بين محافل امن اسرائيلية وسعودية بهدف توثيق التعاون الاستخباري – العملياتي بين الدولتين. ومع ذلك، لأجل كشف العلاقات والسماح بتوسيعها سيتعين على المملكة السعودية ان تتغلب على حساسيات داخلية وخارجية على حد سواء ترتبط بطبيعة المملكة ولها تأثير على مكانتها ولا سيما بصفتها حارسة الاماكن الاسلامية المقدسة بل وعلى استقرارها.

لقد ايدت السعودية “من الخارج” اتفاقات ابراهيم ومسؤولوها وعلى رأسهم ولي العهد ابن سلمان يتحدثون بشكل أكثر اعتدالا مما في الماضي عن اسرائيل. ناهيك عن أنه لا تزال موانع امام تغيير جوهري في موقف الرياض من التطبيع.

1. العلاقات مع الولايات المتحدة: تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة هو مصلحة سعودية عليا ترتبط ايضا بمكانة ابن سلمان في الداخل. في السنوات الاخيرة بدا شك في اوساط النخبة السعودية بالنسبة لاستعداد الولايات المتحدة للوقوف الى جانبها عندما تتهدد المصالح السعودية، ولا سيما بالنسبة لإيران. يحتمل أن يكون السعوديون يبقون على حلول وسط محتملة مع اسرائيل كمقابل على تغيير النهج تجاه المملكة من جانب واشنطن، يتضمن ضمن امور اخرى ضمانات تجاه إيران وفتح صفحة جديدة مع ابن سلمان الذي يرغب في تثبيت شرعية لحكمه. وعليه يجب أن ننتظر لنرى هل ستتحقق التفاهمات التي توصلت اليها الولايات المتحدة والسعودية عند زيارة الرئيس بايدن الى المملكة: فالرسالة المركزية التي سعى الرئيس بايدن لان ينقلها في قمة الزعماء (مجلس التعاون زائد 3) التي انعقدت في تموز 2022 في اثناء زيارته الى السعودية كانت ان الولايات المتحدة تعود لتأخذ لنفسها دور القيادة بل والوساطة الاقليمية، على حساب الصين وروسيا اللتين عملتا في السنوات الاخيرة على تعزيز سيطرتهما في المنطقة. وقد التقطت هذه الرسالة بشك من جانب الانظمة العربية غير المقتنعة بان واشنطن استوعبت ازماتها الاستراتيجية، واساسا بالنسبة لإيران وأنها مستعدة لان تستثمر في حماية مصالحها. في نظرها، فان الرسالة التي نقلها الرئيس بايدن تعكس مصلحة امريكية فورية – الحاجة الى تلطيف حدة اسعار النفط. ولا يزال، طلب السعوديون اعادة إطلاق علاقاتهم مع الولايات المتحدة في ظل زيادة التعاون الامني وتلقي ضمانات امريكية في السياق الايراني، كشرط لتعاونهم في لجم سعي إيران لتوسيع تواجدها في المنطقة. لإسرائيل من جانبها مصلحة في التوجه العربي المؤيد لأمريكا لان العلاقات بين الدول العربية وبين واشنطن تؤثر مباشرة على قدراتها/استعدادها للتقدم في التطبيع مع “اسرائيل”.

2. المسألة الفلسطينية: في اذار 2022 قال ابن سلمان ان “اسرائيل” لا تعتبر عدو بل حليف محتمل… وان كان عليها قبل ذلك ان تحل المشاكل مع الفلسطينيين”. بالمقابل، فان أباه، الملك سلمان، يتبنى موقفا تقليديا أكثر تجاه اسرائيل ومسألة النزاع، وهو يربط بين التطبيع مع اسرائيل وبين استيفاء اسرائيل لمقاييس مبادرة السلام العربية. عشية زيارة بايدن الى المملكة شدد وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير على التزام القيادة السعودية لتنفيذ مبادرة السلام العربية واقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية: “اوضحنا بان السلام يأتي في نهاية المسيرة، وليس في بدايتها”. نشدد هنا على ان هذا الموقف ايضا يبقي للمملكة مجال مناورة لخطوات تطبيع بطيئة وبحجم صغير، قبل حل كامل مع الفلسطينيين. معقول أن ترغب في أن ترى، وبالتأكيد كشرط لعلاقات رسمية مع اسرائيل على الاقل بداية حوار اسرائيلي – فلسطيني، وكان كحجة غيبة للتقرب المقنون من اسرائيل. يحتمل أن يكون التغيير الذي تنطوي عليه الرسائل يعبر عن الرغبة في الحفاظ على مجال مناورة، فيما أن تصريحات ابن سلمان موجهة بقدر أكبر الى الرأي العام الامريكي. في كل حال، متوقع في أن تكون الاحتمالات للتطبيع مع اسرائيل سترتفع بعد وفاة سلمان وفي نفس الوقت مقدر بان موقف ابن سلمان سيتأثر ايضا بفهمه لمعنى التقرب من اسرائيل على الشرعية الداخلية لتعيينه.

3. تغيير داخلي مطلوب: فضلا عن السياسة الداخلية في السعودية، يثور السؤال كم هو المجتمع السعودية، المحافظ في معظمه، منفتح على التطبيع مع اسرائيل. في السنوات الاخيرة، باستثناء بعض النقد، عرف المجتمع السعودية كيف يحتوي خطوات تغيير اجتماعية واقتصادية ذات مغزى. ومع ذلك لا يستخلص من هذا ان اعلان العلاقات مع اسرائيل، وبالتأكيد على اتفاق تطبيع معها، سيحظى بدعم كهذا، ولا سيما في اوساط التيارات السلفية التي لا تزال لها مكانة ذات مغزى. ومع انه بدا مؤخرا خطاب تسامحي أكثر تجاه اليهودية غايته فحص رد فعل الشارع وبث رسائل التعايش في الخطاب الجماهيري، لكن هذا الجهد اصطدم بالنقد، وان كان اساسا من منفيين سعوديين، في معظمهم من معارضي النظام، وليس من المواطنين الخائفين من التعبير عن اراء تتعارض ومواقف الاسرة المالكة. اما الرأي العام فبقي في معظمه ضد التطبيع مع اسرائيل. فحسب استطلاعات الراي العام التي نشرت مؤخرا، فان نحو 80 في المئة من مواطني المملكة يعارضون اتفاقات ابراهيم وان كان هناك انفتاح ما على العلاقات التجارية مع الاسرائيليين. في كل حال، مقدر انه بقدر ما يشعر ابن سلمان بان بوسعه التحكم بالخطاب الجماهيري ستزداد ثقته في اتخاذ الخطوات للتقرب من “اسرائيل”.

4. مكانة في العالم الإسلامي: هذا الموضوع هو مصلحة عليا للسعودية، التي من شأنها أن تتضرر من النقد تجاهها من جانب محافل مثل إيران تسعى لان توظف الموضوع الفلسطيني وتناكفها بواسطته. تحسين علاقات المملكة مع قطر وتركيا كفيل بتلطيف النقد الخارجية على تحسين العلاقات بينها وبين اسرائيل، بسبب وزن المملكة في العالم الاسلامي، الاتفاق معها سيمنح “تسويغا دينيا” للعلاقات مع اسرائيل ومعقول حتى أن يسمح لإسرائيل بتحسين العلاقات مع العالم الاسلامي باسره.

5. إيران: التهديد الذي تشكله إيران لدول المنطقة كان على مدى السنين الاساس لتقارب هادئ بين اسرائيل والسعودية وان كانت اسرائيل تشدد على التهديد الايراني بينما السعودية ترى في إيران قوة تسعى الى الهيمنة الاقليمية وتشدد على الصواريخ والطائرات المسيرة الايرانية ووكلائها كالتهديد الاكثر تحديا لها في الوقت الحالي. تنطوي العلاقة مع اسرائيل على مزايا للمملكة: تنسيق في المستوى السياسي – الاستراتيجي تجاه التحديات المشتركة؛ احباط التهديدات في المستوى الاستخباري العملياتي بما في ذلك قدرة الوصول الى التكنولوجيا الاسرائيلية، ذات الصلة بالدفاع ضد الصواريخ. ومع أن العلاقة مع اسرائيل كفيلة بان تثبت صورة الردع السعودي تجاه إيران، لكن في اوساط الدول العربية البراغماتية يوجد تخوف من أن تعتبر مثابة “قاعدة متقدمة” اسرائيلية. السعودية، التي تجري حوارا متواصلا مع إيران، ليست استثنائية في هذا السياق.

يبدو أن السعودية ستواصل بالتدريج تهيئة الارضية لانفتاح أكبر في العلاقات مع اسرائيل، وان كان في نموذج مختلف عن نموذج اتفاقات ابراهيم سواء في عمق الانفتاح او في وتيرة التغيير. وفقا للسياسة السعودية، في اثناء زيارة الرئيس بايدن الى الشرق الاوسط، اعلنت سلطة الطيران السعودية، بانه تبعا لميثاق شيكاغو في 1944 ستسمح من الان فصاعدا للطائرات الاسرائيلية المرور في سمائها. وقد صيغ البيان بشكل غامض وعرض كحاجة وطنية – اقتصادية لتحسين الارتباطات الجوية للملكة، وانه عمليا توسيع لترخيص يوجد للطائرات الاسرائيلية للطيران في المجال الجوي السعودية الى اتحاد الامارات والبحرين. ومع ذلك، شدد نائب السفير السعودي الى الامم المتحدة، محمد العتيق في مجلس الامن الذي بحث في الموضوع الفلسطيني على أن اعطاء امكانية للطائرات الاسرائيلية للمرور في المجال الجوي للمملكة ليس خطوة في اتجاه التطبيع. خطوة اخرى هناك من يراها ترتبط بالتطبيع هي الاتفاق السعودية الامريكي على مغادرة قوة المراقبين متعددة الجنسيات في سيناء جزيرتي تيران وصنافير (اللتين اعدتهما مصر الى السيادة السعودية في 2017) ونصب كاميرات تملأ مكان القوة تواصل ضمان حرية الملاحقة في مضائق تيران.

الاستنتاج من المسيرة التي ادت الى اتفاقات ابراهيم هي انه نظرا للحافز والضغط المناسبين فان دول الخليج كفيلة بان تتخذ خطوات تخرج عن الاجماع العربي وكذا عن مواقفها في السياق الفلسطيني. وعليه يحتمل أن تدفع الرياض بعلاقاتها مع اسرائيل قدما دون صلة مباشرة بالتقدم في القناة الاسرائيلية الفلسطينية بل بالنسبة للمقابل الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة. وبالفعل للعلاقات بين واشنطن والرياض، وأكثر من هذا، للإنصات الامريكي والقيادة الامريكية للتطبيع في الشرق الاوسط توجد اهمية حاسمة. إذا قدرت القيادة السعودية بان التقرب من اسرائيل سيساعدها على توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، تحسين الصورة المتطرفة التي لحقت بها ونيل المرابح الاقتصادية والسياسية، فإنها كفيلة بان تسير خطوة اخرى نحو “اسرائيل”.

ان استمرار وتوسيع اتفاقات التطبيع القائمة هامة للعلاقة بين القدس والسعودية ضمن امور اخرى لانهما سيمنحان تسويغا لانضمام متأخر لها. لكن بالذات البقاء في الخلف والمساعدة من خلف الكواليس لتحسين علاقات اسرائيل مع دول عربية واسلامية أفضل للرياض في هذه المرحلة.

اما الدفع للتقدم في العلاقات وبالتأكيد تحويله الى مسألة سياسية – اسرائيلية داخلية، مثلما حصل حول زيارة الرئيس بايدن الى الشرق الاوسط فسيخلق توقعات غير واقعية، سيزيد الضغط على السعوديين ويمس بالمسيرة. رغم أن السعودية تجتاز في السنوات الاخيرة تغييرات اجتماعية – ثقافية لا بأس بها، فان مسألة العلاقات مع “اسرائيل” بقيت بالنسبة لها ترتبط بمكانتها بل وباستقرارها. وعليه ففي الوقت الحالي فان اتفاق تطبيع كامل يعتبر في المملكة كخطوة بعيدة أكثر مما ينبغي.