تعرفوا على حكايا أشهر أغاني شهر رمضان الكريم

ثقافة وفنمصدر الإخبارية

يترقب المسلمين في كافة أنحاء المعمورة شهر رمضان المبارك عاماً بعد عام بكل شوق وحنين، وعلى مر الأجيال والأزمنة تغنى العديد من الشعراء والفنانين على اختلاف تخصصهم في الغناء بهذا الشهر وهذا المقال يقدم بين أيديكم حكايات أشهر أغاني الشهر الفضيل التي لازالت تترد على أسماعنا حتى يومنا هذا:

“اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم، وقول نويت بكره إن حييت، الشهر صايم والفجر قايم، اصحى يا نايم وحد الرزاق”

بهذا المقطع الثابت كان سيد مكاوي يبدأ جولاته الرمضانية قبيل الفجر في شوارع القاهرة الفاطمية مرتديًا جلبابه وطاقيته المميزة وممسكًا طبلة المسحراتي الشهيرة، وعبر التلفزيون الذي نقل صوته الحنون إلى جميع أنحاء البلاد، كان ملايين المصريين يتناولون وجبة سحورهم على إيقاع اللحن الذي كان ينتقل بين الغناء والموّال، مرددًا في كل مرة قصيدة جديدة للشاعر فؤاد حداد.

ربما يمتد تاريخ مهنة المسحراتي بحجم تاريخ القاهرة نفسها، وقد كانت عبارات مثل “اصحى يا نايم وحد الدايم” و”السحور يا عباد الله” تراثًا محفوظًا لكل من اشتغل بتلك المهنة. لكن الثنائي حداد ومكاوي تمكنا من الغوص في ذلك التقليد التاريخي ليحفرا فيه بصمة باسميهما، تستلهم التراث وتضيف إليه.

حافظ حدّاد على شكل ثابت لقصائده التي جمعها لاحقًا في ديوان باسم “المسحراتي”، يبدأها كل مرة بنفس المقطع، ويختمها بمقطع آخر ثابت أيضًا، وبين البدء والختام يتناول في كل مرة موضوعًا جديدًا من الحياة الاجتماعية والدينية والفنية للمجتمع المصري بأسلوبه العذب الذي أهّله لحمل لقب “والد الشعراء”.

وقد حكى سيد مكاوي في لقاء تلفزيوني مع المذيع طارق حبيب أن الإذاعة المصرية كانت قد طلبت منه عام 1967 تلحين بعض كلمات المسحراتي التي كتبها فؤاد حداد، فوافق، لكنه اشترط الاستغناء عن الفرقة الموسيقية بالكامل بحيث يقوم بالغناء وحده مستخدمًا طبلة صغيرة فقط.

ليتقمص شخصية المسحراتي كما ألفها المصريون عبر قرون، ويضيف أنه استلهم ألحان المسحراتي من أصوات المنادين في القرى والأحياء على الأشياء المفقودة، وأصوات رواة السير الشعبية في المقاهي والموالد، وصوت الأذان الذي يوقظ الناس للفجر، وبالطبع من طبلة المسحراتي نفسه، ليجول كل ليلة في شوارع القاهرة، منبهًا أهلها إلى سحورهم.

لكن دقات طبلة المسحراتي لم تكن أول ما يطرق آذان المصريين من علامات قدوم الشهر الكريم، ففي الليالي التي تسبق دخوله يستعدون لاستقباله بمجموعة من أغاني شهر رمضان، نتناول في هذا التقرير أشهرها.

“رمضان جانا”.. الإعلان الرسمي عن قدوم رمضان

هل مر عليك أي رمضان من قبل لم تسمع فيه “رمضان جانا” مذاعة عبر قناة تلفزيونية أو إذاعة راديو؟ حينما تفكر في عدد مرات إذاعة تلك الأغنية منذ إصدارها في خمسينات القرن الماضي. وربما تتفق مع مطربها محمد عبد المطلب حينما كان يمزح قائلًا: إنه لو أخذ جنيهًا عن كل مرة أذيعت فيها لأصبح مليونيرًا، لكن عبد المطلب لم يتقاض عن تلك الأغنية إلا ستة جنيهات، وقد قبل بذلك الأجر الزهيد لحاجته للمال آنذاك؛ إذ كان يمر بظروف مادية صعبة.

لكن العائد المعنوي كان هو الأهم والأكبر؛ فهي من أغاني شهر رمضان التي ارتبطت في أذهان المصريين بإعلان قدوم شهر رمضان لما يقرب من 70 عامًا، حتى وصفها عبد المطلب نفسه بأنها كانت أهم من بيان مفتي الديار المصرية لإعلان رؤية هلال رمضان.

وواقع الأمر أن الصدفة وحدها هي التي قادت عبد المطلب إلى غناء “رمضان جانا”، فقد كان من المفترض أن يغنيها المطرب أحمد عبد القادر، لكن خلافًا بينه وبين هيئة الإذاعة المصرية أدى إلى إسناد الأغنية – التي كتبها الشاعر حسين طنطاوي ولحنها الموسيقار محمود الشريف – لمحمد عبد المطلب.

وربما كان من حسن حظنا نحن المستمعين أن وصلتنا الأغنية بصوت عبد المطلب الشجي، كما لا يمكن القول أيضًا إن أحمد عبد القادر كان سيئ الحظ تمامًا، فقد كان الخلاف بينه وبين هيئة الإذاعة نتيجة رفض الهيئة لأدائه أغنيتين رمضانيتين في الفقرة الإذاعة نفسها، وقد كان الرجل بالفعل صاحب أغنية سبقت “رمضان جانا”، ولا تزال أيضًا من أشهر أغنيات رمضان وهي أغنية “وحوي يا وحوي”.

“وحوي يا وحوي”.. أغنية رمضانية بأصول فرعونية

كاتب أغنية “وحوي يا وحوي” هو الشاعر حسين حلمي المانسترلي، الذي كان يمتلك قصرًا خصصه لإقامة منتدى للفنانين، ثم حوّلته الحكومة إلى متحف بعد وفاته، وكانت الأغنية هي تذكرة الشهرة لمطربها أحمد عبد القادر، رغم أنه كان يغني في الإذاعة المصرية منذ تأسيسها.

وقد منحت أغنية وحوي يا وحوي لرمضان صبغة مصرية خالصة؛ وهي من أغاني شهر رمضان الحاضرة دائمًا في ذاكرة المصريين، إذ أن جملتها الأشهر “وحوي يا وحوي إياحة” هي في الأصل هتاف فرعوني، استقبل به أهل مصر الفرعونية ملكتهم إياح حتب، بعد عودتها مع ابنها الملك أحمس من حربه التي انتصر فيها على جيوش الهكسوس.

وقبل أن ينتصر أحمس كانت الملكة إياح حتب قد دفعت زوجها لحرب الهكسوس فقُتل، فدفعت بابنها الأكبر كامس لحربهم فقُتل أيضًا، ثم دفعت بابنها الثاني أحمس للقتال، والذي تمكن أخيرًا من تحقيق النصر وطرد الهكسوس من بلاده.

وعند عودته ومعه أمه استقبل المصريون ملكتهم بهتاف “وحوي وحوي إياحة”، وكلمة وحوي تعني بالهيروغليفية “مرحبًا”، أما اسم الملكة فينقسم إلى كلمة إياح وتعني قمر، وكلمة حتب ومعناها الزمان، فيكون معنى الاسم “قمر الزمان” وتكون ترجمة الهتاف “مرحبًا مرحبًا يا قمر” وهو ما كان مصدر إلهام الشاعر حسين المانسترلي في كلماته التي جعلت المصريين يستقبلون هلال شهر رمضان كل عام بلسان أسلافهم الفراعنة.

لكن بعيدًا عن الأجواء الاحتفالية في استقبال الشهر المبارك، تظل هناك مشكلة المعاناة اليومية التي يمر بها الصائم مع إحساسه الجوع والعطش، وهو ما عبّر عنه الشاعر حسين السيد بأسلوب خفيف الظل في الأغنية التالية.

“الراجل دا حايجنني”.. دويتو الشحرورة والمهندس

تجسّد الأغنية حوارًا مشاكسًا بين زوجة وزوجها حول نوعية الأطعمة التي ينبغي عليها إعدادها لمائدة الإفطار، فالزوجة تشكو مطالبة زوجها لها بطبخ جميع أصناف الأطعمة، بينما يتذمر هو معترضًا أن زوجته تريد حرمانه من تلك الأطعمة حتى في رمضان، حيث يصوّر له الجوع أنه قادر على التهامها كلها، رافضًا محاولات الزوجة إعادته لرشده وإقناعه أن هذا الإسراف يتنافى مع طبيعة الشهر الفضيل، ورغم ذلك حينما يحل المغرب وتفرد المائدة، لا يتناول أكثر من طبق الفول.

كانت الأغنية بمثابة مغامرة فنية جديدة من نوعها على الشحرورة صباح، التي تروي أنها استمعت إلى كلماتها أول مرة من مؤلفها الشاعر حسين السيد في منزل فريد الأطرش؛ فأعجبت بها وقررت غناءها رغم تحذير أصدقائها فيما بعد من أن جمهورها لن يتقبل منها أن تغني عن الأكل والشرب.

ورغم أن اللقاء تم في منزل الموسيقار فريد الأطرش الذي كان قد لحّن للشحرورة العديد من الأغنيات، إلا أنه اقترح عليها أن يقوم محمد الموجي بتلحين الأغنية، وهو ما تم بالفعل، وحينما سلّمها الموجي اللحن، اتصلت صباح بنجم الكوميديا فؤاد المهندس لتطلب منه أن يشاركها الدويتو بدور الزوج، وأسمعته الأغنية عبر الهاتف فتحمس لها المهندس حتى أنه اقترح أن يقوما بتصويرها تلفزيونيًا، وقد كان.

نجح دويتو “الراجل دا حايجنني” نجاحًا بلغ أنه أثار الغيرة الفنية لدى شويكار التي كانت شريكة فؤاد المهندس في الحياة والفن والنجاح، فطلبت من الشاعر نفسه كتابة دويتو رمضاني آخر لها هي والمهندس، فكتب لهما حسين السيد أغنية أخرى.

“الصيام مش كدا”.. شويكار تدخل سباق أغاني شهر رمضان

أصدر فؤاد المهندس وشويكار الدويتو الخاص بهما، والذي لحنه الموسيقار حلمي بكر، وسط مخاوف من ألا يحقق نجاحًا كالذي حققه «الراجل دا حايجنني» خاصة مع التشابه بين الأغنيتين في استعراضهما لأجواء الخلافات الزوجية المتعلقة برمضان، وإن كانت الخلافات هذه المرة لم تدر حول الطعام فحسب، وإنما استعرض الدويتو مختلف أنواع الحجج والشجارات التي يفتعلها الزوج مع زوجته أثناء الصيام.

لكن رمضان كان كريمًا للمرة الثانية مع فؤاد المهندس، إذ يحكي الملحن حلمي بكر أنه وعلى عكس مخاوفهم فقد استفاد دويتو “الصيام مش كدا” من نجاح “الراجل دا حايجنني”، وأصبح من أغاني شهر رمضان التي تتردد على مر الأعوام، ليحقق نجاحًا رائعًا هو الآخر ويتم تصويره تلفزيونيًا كذلك بعد ظهور الألوان في التلفزيون.

وقبل أن يتناول فؤاد المهندس مع صباح أو شويكار الأجواء الرمضانية بشكل ساخر، وكذلك قبل أن يتقمص سيد مكاوي دور المسحراتي، كان هناك محاولتان في نفس المضمار للفنان إسماعيل ياسين.

“خيرات رمضان”.. إسماعيل ياسين مسحراتي رمضان

أصدر إسماعيل ياسين هذا المونولوج ضمن ألبومه “ياللي بتحسد”، وهو من كلمات مصطفى عبده ولحن عزت الجاهلي، ويروي فيه ياسين بأسلوبه المرح الذي اشتهر به في إلقاء المونولوجات مظاهر الحياة في الشهر الكريم من شراء الناس للفوانيس والياميش من خلال قصة الشيخ رضوان الذي اعتبره عنوانًا للخير ورمزًا للملايين.

أما ثاني أبرز أغاني شهر رمضان لإسماعيل ياسين، فقد لعب فيها دور المسحراتي، مرتديًا الجلباب وممسكًا بالطبلة، لكنه أدى هذا الدور أيضًا بطريقة المونولوج، ولم يقدمه بالشكل الفلكلوري الذي التزم به سيد مكاوي، إلا أن مونولوج المسحراتي لإسماعيل ياسين حمل مفاجأة من نوع آخر.

كان المسحراتي “أبو ضحكة جنان” يطرق طبلته وحوله مجموعة من الأطفال يغنون “يلّا بينا يلّا ويّا الشيخ رمضان، هانغنّى ع الطبلة ونصحي النعسان”، ومن بين الأطفال الذين بدا عليهم البهجة وهم يطوفون بالمنازل مع المسحراتي لإيقاظ المسلمين للسحور، كان هناك طفل لعب دورًا مميزًا في تبادل الغناء مع إسماعيل ياسين.

كان هذا المونولوج بمثابة نقطة الانطلاق الفنية للطفل الذي احترف الغناء فيما بعد ليصبح واحدًا من أهم المطربين ويحصل على لقب «أمير الغناء العربي»، نعم، لقد كان إسماعيل ياسين هو أول من وضع هاني شاكر على السلم الموسيقي!

ومثلما شارك الأطفال إسماعيل ياسين في الغناء لرمضان، فقد شاركوا الفنان محمد فوزي كذلك في أغنيته التي وجهها بالكامل إليهم.

“هاتوا الفوانيس يا ولاد”.. الأغنية الرسمية للإذاعة المصرية في رمضان

كان محمد فوزي صاحب تجربة ناجحة في الغناء للأطفال من خلال أغنيتيه “ماما زمانها جاية” و “ذهب الليل”، وحينما قرر إنتاج إحدى أشهر أغاني شهر رمضان، اختار أيضًا أن يكون شركاؤه في الأغنية وجمهوره الذين يخاطبهم بها هم الأطفال ذاتهم، فوقف أمام ميكروفون الإذاعة المصرية وبصحبته مجموعة من الأطفال يرددون خلفه “هاتوا الفوانيس يا ولاد، هاتوا الفوانيس، هانزف عريس يا ولاد، هانزف عريس”.

لم يتقاض فوزي أي أجر عن الأغنية وقرر إهداءها للإذاعة المصرية، وكانت “هاتوا الفوانيس”، التي كتبها الشاعر عبد العزيز سلام، هي أول أغنية يتم تقديمها في الإذاعة خلال شهر رمضان المبارك، واستمر تقديمها طوال الشهر حتى ظن المستمعون أنها الأغنية الرسمية للإذاعة، ومن خلال الأغنية كان فوزي يعلّم الأطفال القيم الرمضانية ويعرّفهم على عادات وتقاليد الشهر الكريم ومظاهر البهجة والتآلف الاجتماعي فيه، كما يذكرهم بفرحة العيد في آخره.

ولم ينته الغناء الرمضاني للأطفال عند فوزي، ففي الذاكرة الغنائية المصرية أيضًا أغنيتان حققتا ناجحًا باهرًا لفرقة “الثلاثي المرح”.

“أهو جه يا ولاد”.. وافرحوا يا بنات

كانت “فرقة الثلاثي المرح” مكونة من صفاء لطفي ووفاء مصطفى وسناء الباروني، وقد خاطبت الفرقة الأطفال الذكور بأغنية والفتيات بأغنية أخرى، كانت الأولى هي أغنية “أهو جه يا ولاد”.

بدأت قصة الأغنية حينما كتبت كلماتها الشاعرة نبيلة قنديل، ثم عرضتها على لجنة النصوص بالإذاعة والتي كان يرأسها الشاعر أحمد رامي، فأجازتها اللجنة واختارت لها “فرقة الثلاثي المرح” ليقمن بغنائها ودفعت لهن 140 جنيه، ثم تولى الملحن علي إسماعيل زوج الشاعرة نبيلة قنديل تلحينها مقابل 20 جنيها.

في وقت لاحق لحّن علي إسماعيل أيضا للفرقة أغنية “افرحوا يا بنات” التي كتبها الشاعر كمال عبد الهادي، وتتشابه أجواء الأغنيتين في دعوة كل منهما للأطفال للاحتفاء بشهر رمضان المبارك، مع استعراض الطقوس الرمضانية الخاصة ومظاهر البهجة خلال الشهر الكريم، ونتيجة لتلك الأجواء الاحتفالية الخاصة التي يعيشها المصريون خلال الشهر الكريم يترك وداعه حزنًا في نفوسهم تعبر عنه الأغنية المليئة بالشجون والتي نعرفها جميعًا.

“تم البدر بدري”

عندما كتب الشاعر عبد الفتاح مصطفى كلمات “تم البدر بدري” قدمها للإعلامي وجدي الحكيم، الذي كان يشغل آنذاك منصبًا رقابيًا على الموسيقى والغناء بالإذاعة المصرية، فأعجبته الكلمات ثم أصبحت من نصيب المطربة شريفة فاضل مصادفة، إذ تروي هي أنها كانت مطربة جديدة آنذاك وكانت الإذاعة توزع الأغاني على المطربين فكانت “تم البدر بدري” من نصيبها، وقد تحمست لها حتى إنها قررت غنائها دون مقابل.

طلبت شريفة فاضل من الموسيقار عبد العظيم عبد الحق أن يلحن لها الأغنية، فقام بتلحينها خلال يومين فقط بشقته في حي العباسية، وتلقى 35 جنيهًا مقابل اللحن، أما الشاعر عبد الفتاح مصطفى فقد تلقى 15 جنيهًا، لتصبح تكلفة الأغنية 50 جنيهًا فقط.

ولا تزال “تم البدر بدري” حتى اليوم بمثابة أغنية الوداع الرسمي من أغاني شهر رمضان؛ إذ لم يجد المصريون كلمات تعبر عن حزنهم لفراق الشهر الكريم مثل كلماتها التي من بينها: “يا ضيف وقته غالي وخطوة عزيزة / حبك حب عالي في الروح والغريزة / أيامك قليلة والشوق مش قليل / والغيبة طويلة ع الصبر الجميل”.