كورونا والأوبئة الأخرى.. ما سر علاقتها الغامضة بـ”مصاصي الدماء”؟

وكالاتمصدر الإخبارية 

ظهور وباء كورونا المستجد أظهر الكثير من القصص التي غابت عن أذهاننا لفترة ليست بالقصيرة، فالإنسان عدو ما يجهله، والعداوة في هذه الحالة تكون نابعة عن الخوف من الأمور الغامضة التي قد ينطوي عليها هذا المجهول، وعادًة ما يحاول الإنسان تفسير الأمور الغامضة بقصص قد لا تكون حقيقة، وقد تكون مخيفة أكثر من المجهول ذاته، ولكن المعرفة في حد ذاتها تشعره بالاطمئنان.

ولذلك قد يظهر وباء، له أعراض غريبة ومجهولة مثل (وباء كورونا المستجد)، وربما مخيفة أيضًا، ولا يكتشف الطب ماهية هذا الوباء، ولا سببه، ولا مصير من يصاب به، ولذلك تبدأ الأساطير الشعبية حول هذا الوباء، وتفسيره تفسيرات خرافية لا تمت للواقع بصلة.

وبدلًا عن مساعدة المرضى المصابين من الوباء المجهول ( على سبيل المثال: وباء كورونا المستجد)، يبدأ الناس في تجنبهم والخوف منهم، وهو ما حدث بالضبط في القرن التاسع عشر في أوروبا وأمريكا؛ حيث بدأت فكرة مصاصي الدماء كما نعرفها الآن بسبب انتشار الأوبئة، والتي كانت مجهولة في ذات الوقت، وتلك هي القصة التي نحكيها لكم في هذا التقرير.

السل.. ثلث سكان العالم حاملون للوباء الذي أعاده وباء كورونا للأذهان

مرض السل ينجم عن جرثومة تدعى «المتفطرة السلية» – بحسب منظمة الصحة العالمية – تلك الجرثومة التي تصيب الرئتين، وينتقل مرض السل من شخص لآخر عن طريق الهواء، فالسعال، والعطس، أو البصق، يمكنها نقل المرض لأقرب شخص للمريض، وما يقرب من ثلث سكان العالم يعتبرون حاملين لجرثومة وباء السل، ولكنهم غير مصابين به، ولا يمكنهم أيضًا نقل الجرثومة إلى شخص آخر.

الحاملون لعدوى جرثومة السل معرضون للإصابة بهذا المرض بنسبة تصل إلى 10%، ولكن تلك النسبة تزيد طرديًا مع إصابة الأشخاص بمرض نقص المناعة، أو سوء التغذية، أو السكرى. تتمثل أعراض مرض السل في السعال والحمى والتعرق الليلي وفقدان الوزن، ويمكن للشخص المصاب أن ينقل العدوى إلى أكثر من 15 شخصًا.

وفي العام 2000 تؤكد منظمة الصحة العالمية أنه تم إنقاذ ما يقرب من 49 مليون شخص من هذا المرض، ولكن هذا لم يكن الوضع في أوروبا أواخر القرن الثامن عشر، وأوائل القرن التاسع عشر، وقتما ظهر هذا المرض ليفتك بالكثير دون أن يفهموا له سببًا أو علاجًا. في ذاك الوقت الذي لم يكن يعترف فيه الطب بجرثومية المرض من الأساس، فُتح الباب للأساطير الشعبية لتفسير هذا الوباء الغامض.

العزل والخرافة والأساطير

في أواخر القرن الثامن عشر، استطاع وباء السل أن يحصد أرواح ما يقرب من 2% من سكان نيو إنجلاند، وقتها لم يكن الطب متطورًا في أمريكا وأوروبا، ولم يكن هناك أي لقاحات، أو مضادات حيوية، يمكنها محاربة هذا المرض، ولذلك كان عزل مرضى السل في المصحات البدائية هو الحل الذي لجأوا إليه آنذاك، واستنزاف مرض السل لصحة المصابين جعلهم أشبه بالأشباح، وكأن المرض يسحب طاقة الحياة منهم، فلجأ المرضى إلى العلاجات الشعبية، بينما لجأ باقي أفراد المجتمع الذين يشاهدون المرضى يتحولون إلى أشباح تسير على قدمين إلى التفسيرات الأسطورية لهذا الوباء.

التمثيل بجثث المصابين بالسل

يتوفى واحد من أفراد الأسرة بالقرن الثامن عشر في نيو إنجلاند إثر إصابته بمرض السل الغامض، وقبل وفاته يكون قد نقل بالفعل المرض لعدد من أفراد أسرته، ولكن لم تظهر عليهم الأعراض بعد، وبعد مرور أيام من دفن الجثة المصابة، تبدأ بعض الأعراض في الظهور على المصابين من أسرة المتوفى، والوجوه تشحب، والوزن ينقص، وتتحول أجسادهم إلى نسخة من المتوفى، وتبدأ الأساطير التي تقول إن المتوفى بهذا الوباء يخرج من قبره ليمتص دماء أسرته بغرض الحصول على طاقة الحياة منهم مرة أخرى، وتأتي من هنا فكرة رقود مصاص الدماء في الصباح داخل التابوت، وفي الليل يخرج للبحث عن غذائه الذي يمنحه الطاقة.

كم مرة رأيت في أفلام مصاصي الدماء، البطل يهجم على تابوت مصاص الدماء حتى يقتله مرة أخرى ويتخلص من لعنته، حتى تلك المشاهد مستوحاة من الواقع، فالخطوة التالية التي جاءت في أذهان سكان نيو إنجلاند نتيجة الذعر الذي سيطر عليهم من فكرة أن هؤلاء الموتى الأحياء مصاصي الدماء يتغذون عليهم أثناء النوم؛ هو حفر قبور موتاهم الذين أصيبوا من وباء السل والتمثيل بجثثهم للتأكد من موتهم، وضمان عدن عودتهم مرى أخرى لحصد المزيد من الأصحاء.

وأطلق على هذا الطقس «طقس الاستخراج للعلاج»، وغالبًا ما كان أفراد الأسرة الأحياء هم الذين يحفرون ويشوهون جثث موتاهم، وظلت تلك الممارسة منتشرة في أوربا لأكثر من قرن، واختلفت الطقوس من منطقة لأخرى، فالبعض كان يقلب الجثة على وجهها فقط ويعيد دفنها مرة أخرى، ولكن للبعض الآخر كانت هناك طقوس متطرفة مثل استخراج قلب الجثة للتأكد من وجود دم فيها أم لا، وإذا وجد فيها دم يعتبرون هذا دليلًا على أن المتوفى مصاص دماء.

وفي تلك الحالة كانوا يحرقون هذا القلب ويستنشق أقارب المتوفى دخان الحريق ظنًا منهم أن هذا الطقس يقيهم من أعرض الوباء، وبعض الأسر كانت تحرق الجثة كاملة ويخلطون رماد الجثة بطعامهم. وفي حادثة سجلها التاريخ بالعالم 1892 توفيت فتاة بالغة من العمر 19 عامًا بسبب وباء السل، وأصيبت والدتها وشقيقتها بالمرض بعد وفاتها وأخيها أيضًا، فحفر السكان قبرها ووجدوا بقايا دماء في فمها وقلبها، وأحرقوا قلبها وجعلوا أخاها يتجرع جزءًا من هذا الرماد، ومات هذا الشقيق بعد بضعة أشهر من هذا الطقس.