إغلاق الوكالة اليهودية: أزمة العلاقات الروسية – الإسرائيلية

أقلام – مصدر الإخبارية

إغلاق الوكالة اليهودية: أزمة العلاقات الروسية – الإسرائيلية، بقلم الكاتب والمحلل السياسي أشرف العجرمي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

بعد أن طلبت وزارة العدل الروسية من المحكمة في موسكو حل “الوكالة اليهودية” في روسيا، الخميس الماضي، وأعلنت الأخيرة أن نقاشاً سيجري حول الموضوع في يوم غد، حيث أبلغت الوكالة بوقف جميع نشاطاتها في البلاد قبل حوالى ثلاثة أسابيع، تأزمت العلاقة بين موسكو وتل أبيب، في تحذيرات إسرائيلية أطلقها رئيس الحكومة يائير لابيد، الذي اعتبر حلّ الوكالة اليهودية “حدثاً خطيراً” يمكن أن يؤثر على العلاقة بين البلدين. ومع تعهد لابيد بالتحرك “عبر القنوات الدبلوماسية” والإعلان عن إرسال وفد إلى موسكو، يبدو أن هذا لن يتم قبل أن تبدأ المحكمة الروسية في نقاش هذا الموضوع غداً، لأنه حتى اللحظة لم يتلقَ الوفد الإسرائيلي تأشيرة دخول إلى روسيا. وهذا يدلل على أن المسألة ليست خلافاً بسيطاً يمكن معالجته بمجرد توضيحات أو حوار ثنائي سريع.

روسيا تتهم “الوكالة اليهودية” بخرق القانون الروسي؛ حيث تقوم بجمع معلومات سرية عن مواطنين روس، وتحاول تهجير الأدمغة من اليهود الروس، خاصة المختصين في التقنيات الحديثة ورجال الأعمال، ما يشكل مساساً بالأمن القومي الروسي، ويخالف القانون في البلاد.

و”الوكالة” التي أنشئت في العام 1929، وعملت بجد ونشاط لتهجير اليهود من مختلف أرجاء العالم، نجحت في استقطاب حوالى مليون ونصف المليون مواطن من روسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق، بعد انهيار هذا الاتحاد منذ أن بدأت عملها في هذه البلدان في العام 1989. وتوجد اليوم جالية روسية قوامها حوالى مليون شخص في إسرائيل، يعيشون في ظروف خاصة ويصرون على التمسك بلغتهم وثقافتهم الروسية، ويشكلون جزءاً مهماً من الخبراء في إسرائيل في مجال الاختصاصات العلمية المهمة، كما في قطاع الأعمال. وحسب الإحصاءات الإسرائيلية نجحت “الوكالة” في تهجير 7000 مواطن من روسيا إلى إسرائيل خلال العام الماضي. وتنشط “الوكالة” في كل من أوكرانيا وروسيا لاستغلال الحرب وتهجير أكبر قدر من اليهود إلى إسرائيل.

غير أن بعض التقديرات الإسرائيلية تقول: إن السبب في اتخاذ هذا القرار الروسي لا يعود لنشاط “الوكالة”، بل نتيجة للموقف الإسرائيلي من الحرب الأوكرانية – الروسية، حيث اتخذ رئيس الحكومة المؤقت موقفاً معادياً لروسيا عندما كان وزيراً للخارجية، واتهمها بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. كما أن إسرائيل قامت بإرسال مساعدات عسكرية لأوكرانيا تقول: إنها تشمل خوذاً عسكرية ودروعاً مضادة للرصاص. واكتشف الروس كذلك أن ضباطاً إسرائيليين يدربون الجيش الأوكراني. كما أن إسرائيل تبرعت بتزويد أوروبا بالغاز عن طريق مصر للاستغناء عن الغاز الروسي. ويرى بعض الساسة والمحللين الإسرائيليين أن روسيا تريد معاقبة إسرائيل عن طريق إغلاق “الوكالة اليهودية”.

ويقترح بعض المسؤولين الإسرائيليين، كردّ على قرار روسي بحل “الوكالة”، أن يتم استدعاء السفير الإسرائيلي في موسكو، وبعضهم يرى ضرورة إغلاق المركز الثقافي الروسي في تل أبيب. ولكن من الواضح أن إسرائيل تخشى تدهور العلاقة مع روسيا لعدة أسباب، منها وقف الهجرة اليهودية ومحاولات تعزيز وتثبيت الثقافة والدين والعادات اليهودية للمواطنين اليهود الروس، والأهم هو كفّ يد إسرائيل في سورية. وهذا الأخير يقض مضاجع القادة الإسرائيليين؛ لأنه يعني تغييراً مهماً في الترتيبات وموازين القوى على الحدود بين سورية وإسرائيل، ويسمح لإيران بتثبيت قواعد عسكرية ونقل سلاح دقيق إلى سورية، وهو ما تحاول إسرائيل باستماتة منعه من خلال الاعتداءات الجوية والقصف الصاروخي في الأراضي السورية.

وفي هذا السياق، تقدّمَ الروس قبل فترة إلى مجلس الأمن الدولي لنقاش وإدانة العدوان الإسرائيلي على سورية، في أعقاب قصف إسرائيل لمطار دمشق الدولي وتعطيل المطار لعدة أيام. وكانت روسيا أدانت هذا العدوان، وطالبت إسرائيل بالتوقف عن مهاجمة أهداف في سورية. وقد لاحظ الإسرائيليون أن روسيا شغّلت منظومة صواريخ “إس 300” في سورية في الفترة الأخيرة، ما ينذر بتغيّر قواعد اللعبة.

ويخشى الإسرائيليون كذلك من التقارب المتزايد بين روسيا وإيران مؤخراً، والحديث عن شراء روسيا لمسيّرات إيرانية. وقد برز تعاون روسي – إيراني في مجال تأمين الحماية للسفن الإيرانية المتوجهة إلى سورية، حيث قامت قطع البحرية الروسية بمرافقة هذه السفن. وهذا يعني من الناحية العملية تمكين إيران من نقل معدات عسكرية متطورة إلى سورية دون قدرة إسرائيلية على التدخل لمنعها. وبالإضافة إلى ما تقدم، هناك من يرى أن توتر العلاقة بين إسرائيل وروسيا سيؤثر على موقف رجال الأعمال اليهود المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “الأوليغارشية”، وهؤلاء إن اتخذوا موقفاً ضد الحكومة الإسرائيلية يستطيعون إيذاء إسرائيل اقتصادياً وسياسياً.

على كل الأحوال، من المبكر تقييم حجم الأزمة بين روسيا وإسرائيل، وهل يمكن تجاوزها أم لا، ولكن في حال تعمقت سيضر ذلك بإسرائيل، وسيقود إلى تغيير جوهري في الصراعات في الشرق الأوسط بما فيها الصراع الفلسطيني، والصراع بين إسرائيل وإيران. وأيضاً على مستوى العلاقات في الإقليم والعلاقات الدولية، خاصة أن إسرائيل حليفة الولايات المتحدة الأهم في المنطقة.

أقرأ أيضًا: سقوط الحكومة الإسرائيلية، بقلم أشرف العجرمي