72 عاماً على استشهاد القائد عبد القادر الحسيني

القدس المحتلةمصدر الإخبارية

يصادف اليوم الأربعاء، الموافق الثامن من نيسان/ ابريل، الذكرى الـ72 لاستشهاد القائد عبد القادر موسى كاظم الحسيني ، أحد رموز الحركة الوطنية الفلسطينية، التي جابهت الجيش البريطاني والعصابات الصهيونية في القرن العشرين.

النشأة:

والده هو (موسى كاظم) بن سليم الحسيني، شغل عدة مناصب مهمة في الدولة العثمانية وحصل على لقب باشا، وعمل متصرفاً (مسؤولاً) لنجد. كما عمل في اليمن والعراق، وكان عضواً بمجلس (المبعوثان) (المجلس النيابي) بإستانبول نفسها.

عاشت الأسرة بحيّ الحسينية بالقدس. وقد شغل والده منصب رئيس بلدية القدس أثناء الحرب العالمية الأولى. وظلّ في هذا المنصب حتى وفاته في عام 1934. كان بيت الوالد ملاذاً وموئلاً للمجاهدين والمفكرين الوطنيين. وقاد الوالد العديد من المظاهرات ضدّ الاحتلال البريطاني منذ عام 1920م. وتوفي نتيجة إصابته في مظاهرات عام 1933.

وُلد الشهيد عبد القادر الحسيني في إسطانبول في 1910م. تلقّى العلم في إحدى زوايا القدس. ثم انتقل إلى المدرسة العصرية الوحيدة وهي مدرسة (صهيون) الإنجليزية. وقد أشرفت على تربيته جدّته لأمه نزهة بنت علي النقيب الحسيني، وذلك لوفاة أمه بعد ميلاده بعامٍ ونصف. وقد كان له أربعة من الأخوة (فؤاد وكان مزارعاً- رفيق وكان مهندساً- سامي وكان مدرساً- فريد وكان محامياً) وثلاثة من الأخوات.

اشترك في صباه بالمظاهرات الوطنية. واهتم بجمع الأسلحة والتدرب عليها منذ بلغ الثانية عشرة. حصل عبد القادر على تعليمه الثانوي من مدرسة (روضة المعارف). والتحق بعد ذلك بالجامعة الأمريكية ببيروت. ولنشاطه الوطني ورفضه لأساليب التبشير تمّ طرده من الجامعة، فالتحق بالجامعة الأمريكية بالقاهرة (قسم الكيمياء)، وحرص على أنْ لا يُظهِر نشاطه أو اعتراضه حتى يحصل على شهادته.

وفي حفل التخرج –وكان من المتفوقين- تقدم إلى منصة الحفل وأعلن –بين دهشة الجميع- أنّ هذه الجامعة لعنة على هذه البلد بما تبثّه من سموم وأفكار، وأنّه سينادي الحكومة المصرية أنْ تعمل على إغلاقها: وتعلن الجامعة الأمريكية في اليوم التالي سحب شهادة الطالب عبد القادر الحسيني، وتعمّ الفوضى، خاصةً أنّ عبد القادر قد أسّس رابطةً للطلبة الفلسطينيين كان هو رئيسها. وحسْماً للموقف تقدّم عبد القادر وأعاد شهادة الجامعة إليها. وحاولت الجامعة منع نشر الخبر. ولكنّه تقدّم ببيانٍ واضح لكافة الصحف المصرية، فكان الجزاء هو طرده من مصر بأمرٍ من حكومة إسماعيل صدقي.عاد بعدها عبد القادر إلى القدس عام 1932م. وقد تزوج عبد القادر عام 1935م من فلسطينية. ورُزِق منها ثلاثة ذكور وفتاة واحدة.

الأعمال والمناصب التي تولاها:

عمل محرّراً صحافياً في العديد من الصحف والجرائد (جريدة الجامعة الإسلامية، جريدة الجامعة العربية، صحيفة اللواء)، ولقوّة مقالاته المعادية للاستعمار كانت سلطات الاحتلال البريطاني تغلق الصحف التي يعمل بها. وتعلق عودتها على وقف مقالات عبد القادر الحسيني.

كما عمل موظفاً في إدارة تسوية الأراضي، وهي الإدارة الخاصة بتسجيل أو نزع ملكية الأراضي في فلسطين. وفيها عرف كيف يمهّد الاحتلال لإقامة دولة صهيونية في فلسطين. فنشر عدة مقالات في فلسطين والعراق وغيرها يشرح فيها المؤامرة البريطانية الصهيونية. وقاد مظاهرة مع والده عام 1933م ضدّ المؤامرة البريطانية وفيها أصيب والده بجروح أفضت به إلى ربه.

من أهم أعماله أثناء وظيفته: تحويل كثيرٍ من أراضي القرى إلى أوقاف إسلامية، حتى لا يتمكّن اليهود من الاستيلاء عليها. كما أوقف العديد من الصفقات المشبوهة.

تسلّم عبد القادر إدارة مكتب الحزب العربي الفلسطيني في مدينة القدس عام 1935م. وبدأ بتنظيم وحدات فلسطينية سرية، ودرّبها وجهزها بالسلاح. وعُرِفت فيما بعد باسم جيش (الجهاد المقدس).

عمل مدرساً للرياضيات في بغداد في المدرسة العسكرية بمعسكر الرشيد عام 1939م (حيث كان هارباً من القوات الإنجليزية). ثمّ حصل على دورة ضباط احتياط في الكلية العسكرية ببغداد لمدة 6 أشهر عام 1940م.

كما حصل على دورة عسكرية في ألمانيا. وتدرّب فيها على تصنيع وتفجير القنابل والألغام عام 1944.

لقد كان قائداً لمعسكر فلسطينيّ عربيّ على الحدود الليبية المصرية عام 1947م، درّب فيه مجموعات فلسطينية وعربية على فنون القتال والعمليات العسكرية. وقاد قطاع القدس في حرب فلسطين 1948م.

جهاده:

بدأ جهاده منذ عام 1935م، إذ آمن بأنّ الجهاد المسلح هو الطريق الوحيدة للوصول إلى الحرية. وقد تأكّد له ذلك المعنى بعد استشهاد الشيخ عز الدين القسام. فبدأ بتنظيم وحدات من الشباب، وتدريبهم على السلاح.

وقد بدأ عبد القادر بنفسه، فألقى قنبلة في عام 1936م على منزل سكرتير عام حكومة فلسطين، والثانية على المندوب السامي البريطاني، ثم تمكّن من تصفية الميجور سيكرست مدير بوليس القدس ومساعده. ثمّ بدأت أعمال الوحدات الفلسطينية في عام 1936م، فهاجموا القطارات الإنجليزية وقطعوا خطوط الهاتف والبرق.

وبعد استكمال التدريب المناسب، أعلن عبد القادر الجهاد على الإنجليز. وبدأت المواجهات الحقيقية مع القوات الإنجليزية. وقد بلغت ذروتها في عام 1939م في موقعة الخضر. وقد أصيب فيها عبد القادر إصابة بالغة وعولج، ولجأ بعدها إلى العراق.

وعندما قامت ثورة العراق عام 1941م خاض عبد القادر المعارك إلى جانب العراقيين ضدّ الإنجليز. واستطاع ببسالته وقف تقدم القوات البريطانية مدة عشرة أيام على الرغم من فارق العدد والعُدّة، وبعد ذلك اختبأ في بيته، ولكنه قُبِض عليه ومعه زملاؤه، واستمر في الحبس مدة ثلاثة سنوات.

ذهب إلى مصر في 1/1/1946م لمراجعة الأطباء بعد أنْ آلمته جروحه من معاركه الكثيرة.

وهناك وضع خطة إعداد المقاومة الفلسطينية ضدّ الدولة الصهيونية المرتقبة. وهناك وضع خطة لتنظيم عمليات تدريب وتسليح وإمداد المقاومة الفلسطينية. وأنشأ لهذا الغرض معسكراً سرياً (بالتعاون مع قوى وطنية مصرية وليبية) على الحدود المصرية الليبية لإعداد المقاتلين.

درّب مقاتلين مصريين على القيام بأعمال قتالية (وهم المقاتلون الذين شاركوا في حملة المتطوعين في حرب فلسطين، وفي حرب القناة ضد بريطانيا بعد ذلك).

كما نسّق مع قائد الهيئة العربية العليا ومفتي فلسطين الحاج (أمين الحسيني) لتمويل خطته وتسهيل الحركة على جميع جبهات فلسطين. ونسّق العمل مع المشايخ والزعماء داخل فلسطين.

أنشأ عبد القادر معملاً لإعداد المتفجرات، ودرّب مجموعات فلسطينية. وأقام محطة إذاعة لتتولى إذاعة البيانات الصادرة عن المقاومة الفلسطينية وحثّ المجاهدين، وذلك في منطقة رام الله.

وأقام أيضاً محطة لاسلكية في مقر القيادة المختار بمنطقة بيرزيت، وصنع شيفرة اتصالٍ حتى لا يتعرّف الأعداء على مضمون المراسلات.

إلى ذلك أيضاً نظّم فريق مخابراتٍ لجمع المعلومات عن العدو، ونظّم فرق ثأرٍ لردع عمليات القتل اليهودية، ونظّم الدعاية في الوطن العربي.

بعد قرار التقسيم دخل فلسطين وقاد قطاع القدس ووقف زحف القوى اليهودية. وقاد هجوماً على حي (سانهدريا) مقرّ قيادة عسكرية لليهود، وعلى مستعمرة النبي يعقوب. وكذلك هجم على (مقر حاييم) وكان مركزاً للهجوم على الأحياء العربية، وقد قضى عليهم فيه.

وشارك في معركة صوريف في 16/1/1948م . وفيها قضى على قوة يهودية من 50 يهودياً مزوّدين بأسلحة ثقيلة و12 مدفع برن بالإضافة إلى الذخيرة والبنادق. كما قاد عدداً آخر من المعارك مثل (بيت سوريك، رام الله، اللطرون، النبي صموئيل، بيت لحم الكبرى)، وآخرها معركة القسطل..

استشهاده:

ضرب عبد القادر الحسيني خلال معركة القسطل غير المتكافئة مثلاً رائعاً في التضحية والحماسة والاندفاع، وتفاصيل المعركة تدور كما دوّنها المؤرّخون أنّ الحسيني غادر القدس إلى دمشق في أواخر آذار عام 1948 للاجتماع بقادة اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لجامعة الدول العربية، أملاً في الحصول على السلاح ليشدّ من عزم المقاومين على الاستمرار والاستبسال في القتال، إلا أنّه ما لبث أنْ عاد إلى القدس مجدّداً فور علمه بمعركة القسطل التي بدأت بشائرها وهو خارج القدس، لكنّه لم يحملْ ما ذهب إليه إلا نصف كيسٍ من الرصاص، واتّجه به مسرعاً إلى القسطل وهناك في السابع من نسيان من العام ذاته عمد أولاً إلى إعادة ترتيب صفوف المجاهدين بدقّة ونظام وكان هو في موقع القيادة، وعلى الرغم من استبسال كلّ الجهات المقاومة في القتال إلا أنّ ضعف الذخيرة وقلّتها أدّت إلى وقوع الكثير من المجاهدين بين مصابٍ وشهيد، وهنا اندفع عبد القادر الحسيني لتنفيذ الموقف وقام باقتحام قرية القسطل مع عددٍ من المجاهدين إلا أنّه ما لبث أنْ وقع ومجاهدوه في طوق الصهاينة، وتحت وطأة نيرانهم، فهبّت نجدات كبيرة إلى القسطل لإنقاذ الحسيني ورفاقه وكان من بينها حراس الحرم القدسي الشريف، وتمكّن رشيد عريقات في ساعات الظهيرة من السيطرة على الموقف وأمرَ باقتحام القرية وبعد ثلاث ساعات تمكّنوا من الهجوم وطرد الصهاينة منها ومن ثمّ فر من تبقّى منهم بسيارات مصفحة إلى طريق يافا، غير أنّ المقاومين لم يكتفوا بذلك وأرادوا ملاحقة جموع الصهاينة الفارين غير أنّهم وجودوا جثمان الشهيد عبد القادر الحسيني ملقى على الأرض الأمر الذي كان له وقْعٌ أليم جداً على رفاقه وعلى الأمة جميعها إذْ زلزل النبأ قلوب كلّ من عرفوه وعايشوه فكانت جنازته مهيبة أمّها الجميع صغاراً وكباراً مقاومين وأناساً آخرين عرفوه إنساناً وطنياً مخلصاً لدينه ووطنه..

ولما خرج الجميع لتشييع عبد القادر الحسيني أبت قوات الاحتلال الصهيوني إلا أنْ ترتكب مجزرة أخرى، فعمدت إلى مهاجمة قرية دير ياسين فلم يبقَ فيها شيءٌ ينبض بالحياة، فقط ركام المنازل وأشلاء الفلسطينيين!.