روح شيرين الباقية-شيرين أبو عاقلة

روح شيرين الباقية بقلم الكاتب محمد دراغمة

أقلام – مصدر الإخبارية

روح شيرين الباقية بقلم الكاتب الفلسطيني محمد دراغمة، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

صباح النور يا شيرين، اليوم جاء إلى رام الله وفد صحافي دنماركي لنقل تقارير عن واقع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، التقيته في مقر إذاعة “جيروزاليم 24” الناطقة باللغة الإنجليزية، مع مجموعة من الصحافيين: مي أبو عصب، نادين الشاعر، جلال أبو خاطر وايهاب الجريري.

حمل الصحافيون الدنماركيون الكثير من الأسئلة، لكن السؤال الأول كان عنك والسؤال الأخير كان عنك، كان اسمك في كل سؤال وفي كل جواب، كنت أنت كلنا.

لقد نجحت اليوم اليوم يا شيرين في حبس دموعي وأنا أتحدث عنك، لقد تطلب الأمر مني قوة استثنائية، حبست جيشان الدموع وأنا أتحدث عن حياتك الطافحة بالحياة، حياتك التي أطفأت في لحظة شيطانية، لحظة انشغلت فيها كل ملائكة السماء عن حمايتك، ما فتح الطريق أمام شياطين الأرض لانتزاع أجمل ما في حياتنا.

لكن عندما فرغنا من اللقاء، انهارت دموعي الحبيسة في لحظة واحدة، إنهار السد المنيع الذي أقمته أمامها، كانت من القوة بحيث لم يتمكن هذا السد العالي من وقفها، لقد قاوم وقاوم لكنه أخيرًا إنهار أمام قوتها وجبروتها.

أخذني ايهاب الجريري ونادين الشاعر الى غرفة مجاورة، نادين الشاعر، التي أُخاطبها بكلمة “يبوي” منذ درستها مادة الكتابة الإخبارية في جامعة بيرزيت، أحضرت لي كأس ماء قائلة: سلامة قلبك يبوي.

قلت لنادين وإيهاب: أشعر أن قتل شيرين كان قتلا للحياة، فأنا أشعر بالموت يُحاصرنا منذ رحيلها، لم أبكِ أحدأ مثلما بكيت هذه الانسانة، أبكيها كأنني أبكي الحياة بكل ما فيها.

قال لي إيهاب: انت لست استثناءً يا عزيزي، كلنا يبكي شيرين، أنه القهر، نحن مقهورون، نحن نبكي من شدة الإحساس بالقهر، أنا لم أبكِ أمي مثلما بكيتها، كنت أعرف أن أمي ستموت، فهي كانت تعاني من مرض، أما شيرين فكانت في أوج حياتها.

قلت له: يوجد لدى شيرين شيء مختلف عن باقي الناس، شيء نشعر أننا فقدناه ونحن في أمس الحاجة اليه.
قال إيهاب: الاجماع، كانت شيرين محل اجماع. لم تدخل في خلاف مع أحد، كلنا محل خلاف، أما هي فمحل إجماع.
قلت في نفسي: هذا أحد العوامل، وهو مهم جدًا، نحن في أمس الحاجة للوحدة والاجماع، فاذا لم يوحدنا كل هذا القهر، فماذا إذا؟

أعجبني جدا نموذج الجيل الجديد من الصحافيين الذي وجدته في نادين الشاعر وجلال أبو خاطر، جيل يتحدث اللغات الأجنبية بطلاقة، ويعرف ويفهم العالم ولغته. أبو خاطر درس في جامعة في اسكتلندا، ونادين درست في بيرزيت التي تتميز بانفتاحها على العالم، الاثنان تحدثا الى الصحافيين الأجانب باللغة التي يفهما العالم، لغة تويتر وحقوق الانسان والحريات.

سأل الصحافيون الدنماركيون عن تفسيرنا لقيام عدد من وسائل الاعلام الغربية بنشر الرواية الإسرائيلية وليس الفلسطينية عن مقتل شيرين أبو عاقلة في الساعات الأولى لمقتلها؟
تذكرنا بألم كبير العناوين التي خرجت بها بعض وسائل الاعلام الغربية في الساعات الأولى والتي كانت غارقة في الخطأ والخطيئة، مثل جريدة “نيويورك تايمز” التي جاء عنوانها على النحو التالي: وفاة صحافية فلسطينية عن 51 عامًا.
يعرف الصحافيون الغربيون أكثر مما نعرف أسباب انحياز العديد من وسائل الاعلام الغربية لصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين، مثل نشاط اللوبي الإسرائيلي في تلك الدول، والضغوط التي تُوجهها المؤسسة الإسرائيلية على وسائل الاعلام الغربية المقيمة في القدس، ومنها أن الكثير من هؤلاء الصحافيين يقيم في القدس الغربية، يلتقون مع المتحدثين الإسرائيليين بصورة دائمة، ويطلعون على وسائل الاعلام الإسرائيلية، وبعضهم لا يأت إلى الأراضي الفلسطينية.
استدركت: لكن عندما انفتحت الحكاية على مصراعيها تغير مسار التغطية، فجاءت كبريات وسائل الاعلام الامريكية مثل “أسوشيتد برس”، و” نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”سي إن إن” وأجرت تحقيقات رجحت فيها الرواية الفلسطينية التي تقول إن شيرين سقطت برصاص الجيش الإسرائيلي.
سألوا عن كيف روت الصحافة الإسرائيلية الحكاية؟
قدمت لهم مي أبو عصب نماذج من الرسائل الإخبارية الإسرائيلية حول مقتل شيرين أثارت الكثير من استهجان الصحافيين الزائرين. قالت بعض الصحافيين الإسرائيليين قال في رسالته الإخبارية إن شيرين كانت تعمل لصالح قناة متطرفة وكانت تجري مقابلات مع متطرفين فلسطينيين…وهكذا.
سأل الصحافيون الدنماركيون عن حاجة الفلسطينيين الى إذاعة ناطقة باللغة الإنجليزية.
قلنا لهم: المجتمع الصحفي الأجنبي لا يعرف عنا شيئا لانه يعيش في القدس الغربية وليس بيننا، هذا المجتمع يقرأ كل صباح صحف إسرائيل باللغة الإنجليزية مثل “هارتس” و” جروزاليم بوست” و “تايمز اوف إسرائيل” ويرانا من ذلك المنظور الإسرائيلي، لذلك فاليكن لدينا وسيلة اعلام تقدمنا من منظورنا نحن، كما نرى انفسنا.
بعد اللقاء اتصل بي أحد الصحافيين المشاركين في البرنامج قائلا: لاحظت انك تشعر بكثير من الحزن والتعاسة وفقدان الأمل في المستقبل، عندي سؤال، أنت صحفي ناجح وتعيش في مدينة رام الله الجميلة، وليس في غزة او في مخيم للاجئين، فلماذا بحق السماء تشعر بكل هذه التعاسة؟

قلت له: شيرين كنت صحافية ناجحة، كانت الأكثر نجاحًا والأكثر دخلا لكن ذلك لم يُوفر لها الحماية والحرية والحياة.
نحن في الضفة الغربية 2.5 مليون فلسطيني يعيشون في أقل من 6 آلاف كيلومتر، تسيطر إسرائيل على 60 في المئة من هذه المساحة وتملؤها بالمستوطنات والمستوطنين المتطرفين الذين لا يؤمنون بحقنا في البقاء وفي الحياة، مستوطنون يسيطرون على 85 في المئة من مياهنا ما يتركنا بلا ارض وبلا مياه كافية حتى للشرب.
نعم، أنا عندي مال، وعندي بيت، وسيارة حديثة، لكن هل تعلم أنه لا يوجد مساحة خضراء أو مسطح مائي يمكنني أن اذهب اليه مع عائلتي في نهاية الأسبوع.

سأل: وماذا تفعل في نهاية الأسبوع: قلت له: البيت. لا يوجد مكان آخر سوى الشقة السكنية التي نعيش فيها والتي تتحول الى سجن. نحن يا صديقي نعيش في كانتونات، في معازل، نخرج من البيت صباحا ونغرق في ازمة سير خانقة ناجمة عن عدم قدرتنا على التوسع العمراني وشق الطرق الجديدة خارج الكانتونات التي نحتجز فيها، ونعود في المساء. وفي نهاية الأسبوع لا نجد شاطئ أو حتى مجرى مياه أو بقعة خضراء نخرج اليها.
نحن الان 2.5مليون، بعد عشر سنوات سيتضاعف عدد السكان في ذات التجمعات المكتظة هذه التي تحولت الى موقف سيارات، حسب تعبير السيد الرئيس، من شدة الاكتظاظ، فأي حياة ستكون للأجيال الجديدة؟
نعيش نعيش في قهر يا سيدي، قهر يومي، نحن نعيش لكن بلا حياة، وتظل دومًا فينا روح شيرين باقية.

روح شيرين الباقية، واحدًا من مقالات الكاتب محمد دراغمة، كما يُمكنكم مطالعة المزيد من المقالات عبر زاوية “أقلام” في شبكة مصدر الاخبارية.

أقرأ أيضًا: إدانات عربية باستشهاد شيرين أبو عاقلة ومطالبات بإجراء تحقيق دولي

Exit mobile version