تحليل: مسيرة الأعلام .. حلُ اللحظةِ الأخيرة لتفادي حربٍ خامسة

غزة-خاص مصدر الإخبارية

تتسارع الأحداث والتطورات السياسية والميدانية على الأرض، قبل ثلاثة أيام فقط، تسبق تنظيم متدينين ومستوطنين متطرفين يهود مسيرة الأعلام في مدينة القدس المحتلة.

وترتفع نسبة احتمال اندلاع مواجهة جديدة إلى 99 في المئة، وتتساوى معها نسبة عدم اندلاعها لو عاد قادة الاحتلال إلى “رشدهم”، وغلبّوا حكمة مفقودة على منطق العدوان والعنصرية والفاشية.

لكن إصرار وزراء ومسؤولين إسرائيليين وجماعات متطرفة وتأكيدهم على أن موعد انطلاق المسيرة الأحد المقبل لن يتغير، وأنها ستسلك مسارها المرسوم مسبقا رفع مستوى التوتر في القدس وفلسطين إلى درجة خطيرة قبل الذروة.

فالدولة العبرية تُجري، منذ نحو أسبوعين، مناورات “عربات النار”، التي تستغرق شهرا كاملا، ما يرجح أنها تقرع طبول حرب خامسة في المنطقة، وتتحفز للعدوان على قطاع غزة.

نّذر الحرب تسد أفق التهدئة، وأصوات قرع الطبول يُسمع صداها في قطاع غزة، فيزداد التوجس، ويتحوط المقاومون، ويرتفع سؤال الناس: هل شفينا بعد من جرح الحرب الرابعة الغائر في قلوبنا؟

فصائل المقاومة الفلسطينية تعرف، أكثر من غيرها، الإجابة عن السؤال، ولسان حالها يهمس: لا نريد الخامسة ولا نسعى إليها، وتستدرك: لكنها القدس والمسجد المبارك.

وربما لأنها لا تريد الخامسة ولا تسعى إليها أعلنت فصائل المقاومة، جهارا نهارا، عن أنها ما لم تسمح به في العام الماضي لن تسمح به الأحد المقبل.

أقرأ/ي أيضاً: الفصائل بغزة تتجهز للرد على الاستفزازات الإسرائيلية في القدس

وأرسلت رسائل “مشفرّة” وأخرى واضحة، علنية، وسريّة، عبر وسطاء وجهات عربية ودولية، بأنها لن تقبل، ولن تسمح للاحتلال بممارساته في القدس، وباستدراجها إلى مواجهة دامية جديدة.

فالمقاومة، وبخاصة حركتي “حماس” والجهاد الإسلامي، لن تقبل بضرب صدقيةٍ وثقةٍ، أولاها لها الشعب الفلسطيني، وتتراجع عن “قواعد اللعبة” الجديدة، التي ترسخت عقب الحرب الأخيرة.

وربما بالقدر نفسه، لا ترغب الدولة العبرية بخوض مواجهة جديدة مع المقاومة في غزة، ستمتد، حتما، إلى مدن وشوارع الضفة الغربية، ومناطق 48.

وقد تتحول أي معركة على القدس، مهما صغرت، الى مواجهة شاملة بين سبعة ملايين فلسطيني، ومثلهم من اليهود يعيش كلاهما بين النهر والبحر، ستأتي على الأخضر واليابس.

وما تزال نتائج وتداعيات الحرب الرابعة ماثلة أمام طرفي المعادلة.

فجرح أهل غزة لم يلتئم بعد، والائتلاف الحكومي الإسرائيلي المتناقض برئاسة نفتالي بينت يحافظ على تماسكه بمادة لاصقة هشة، وأي مواجهة قد تُطيح به، وتفككه إلى غير رجعة، فيما يتحين بنيامين نتنياهو الفرصة السانحة للعودة إلى سدة الحكم.

واذا كان لدى المقاومة سبب واحد يدفعها لتجنب المواجهة، فالدولة العبرية لديها أكثر من سبب، من بينها احتمال اندلاع حرب شوارع في الضفة، ومدن الداخل المحتل، أو مواجهة مع محور المقاومة في المنطقة، أو تفكك الائتلاف، وزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة للمنطقة.

لكن السبب الأهم قد يكون، من وجهة نظرنا، هو “عالم ما بعد اغتيال الزميلة الصحافية شيرين أبو عاقلة”.

فهناك تضامن دولي واسع، وإدانة لقتلها، ومطالبات متكررة بالتحقيق فيه، وفي الاعتداء على جثمانها والمشاركين في جنازتها، وانتصار فلسطيني في “حرب الرواية والصورة”، عقب اغتيالها.

كل ذلك، سيجعل من أي عدوان غاشم على قطاع غزة، ولاحقا، أو تزامنا، العدوان على الشعب الفلسطيني في الضفة ومناطق 48، هروبا إلى الأمام، سيتحول سريعا إلى انتحار بائس.

لذلك، سيعمد قادة الاحتلال إلى إيجاد “حل ما”، في اللحظة الأخيرة، لا يُشعل فتيل الحرب، يقولون ومعهم المستوطنون والمتدينون المتطرفون، إنهم لم يتراجعوا عن تسيير مسيرة الأعلام “كما خططوا” لها.

ويلقى هذا الحل صداه في أوساط الفلسطينيين ومقاومتهم، ليقولوا إن دولة الاحتلال رضخت لتهديداتها وعرفت أين تبدأ الخطوط الحمر وأين تنتهي في القدس، وفوّتت على نفسها تلقينها درسا “لن تنساه أبدا”.