حرب الأشباح.. من غسّان كنفاني إلى عرفات والشيخ ياسين وشيرين أبو عاقلة

تقرير خاص – مصدر الإخبارية 

أثار اغتيال قناص إسرائيلي الزميلة الصحافية شيرين أبو عاقلة في الحادي عشر من الشهر الجاري ردود فعل فلسطينية وإقليمية ودولية واسعة، سلطت الضوء، ليس فقط على سياسة الاغتيالات الاسرائيلية، بل على الصراع برمته.

وأعاد اغتيال أبو عاقلة إلى الذاكرة المثقلة بالاغتيالات والدماء تفاصيل كثيرة عن “حرب الأشباح”، التي دارت رحاها على مدى العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، والعقدين الأول والثاني من القرن الحالي.

وفي إطار “حرب الأشباح” تحولت شوارع مدن أوروبية عدة إلى مسرح للاغتيالات والاغتيالات المضادة بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، خصوصا “فتح” والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وجهاز الـ”موساد” الإسرائيلي.

وفي الأسابيع الأخيرة، فتحت تهديدات الاحتلال باغتيال قائد حركة “حماس” في غزة يحيى السنوار، من جديد، ملف اغتيالات القادة والسياسيين الفلسطينيين البارزين، وفي مقدمهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

تهديدات ومطالبات إسرائيلية باغتيال السنوار تجددت وتعالت بعد العمليات الفدائية الأخيرة التي نُفذت في الداخل المحتل وتحديداً بعد عملية مستوطنة “إلعاد” قرب “تل أبيب”، وأسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، وإصابة آخرين في 5 آيار (مايو) الجاري.

عملية “إلعاد” وغيرها من العمليات التي نُفذت مؤخراً، دفعت نواب وصحافيين ومسؤولين إسرائيليين بارزين للمطالبة صراحة باغتيال السنوار، واعتبروا أنه المحرّض الأول على تنفيذها.

وفي 30 أبريل (نيسان) الماضي، دعا السنوار في خطاب ألقاه في مدينة غزة الفلسطينيين في الضفة والقدس المحتلتين والداخل، إلى شن هجمات وتنفيذ عمليات بالأسلحة النارية، والبيضاء إن تعذر ذلك، رداً على الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية في القدس والأقصى.

فيما حذرت كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة “حماس” من المساس بالسنوار أو “قادة المقاومة”، قائلة: إن هذا الفعل سيقابل “برد مزلزل وغير مسبوق”.

الزهار ومحاولة الاغتيال الإسرائيلية

وخلال السنوات الماضية، نفّذ الاحتلال العشرات من عمليات الاغتيال بحق القادة الفلسطينيين من مختلف الفصائل وراح ضحيتها، قادة بارزين من قادة حركة “حماس”، على رأسهم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين.

واليوم جدّد جيش الاحتلال تهديده باغتيال السنوار وقائد كتائب القسام محمد الضيف، والعودة إلى سياسة الاغتيالات السياسية، قائلاً إن “اغتيالهما ما زال خياراً قائماً”، وفق ما ذكرت قناة “كان” العبرية.

عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” وأحد أبرز قياداتها محمود الزهار، الذي تعرض لمحاولة اغتيال إسرائيلية في غزة في العاشر من أيلول (سبتمبر) 2003، أسفرت عن إصابته واستشهاد ثلاثة مواطنين، من بينهم نجله الأكبر خالد وحارسه الشخصي.

وقال الدكتور محمود الزهار في حديث خاص لشبكة مصدر الإخبارية إن “الاغتيالات السياسية بدأت بالقادة العظام في حركة حماس يحي عياش وعماد عقل وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، بهدف كبح المقاومة، لكن المقاومة دائماً ما تخرج أقوى”.

وفي تفاصيل محاولة اغتياله، قال الزهار: “في أحد الأيام، وفور دخولي المنزل، ضُرب المنزل بصواريخ كبيرة، وكان حينها بداخله زوجتي وابنتي ريم وابنى خالد الذي ارتقي شهيداً إلى الله عز وجل”.

وأضاف: “نجوت أنا وابنتي بأعجوبة، وأصيبت زوجتي بجروح خطيرة، لكنها تعافت بحمد الله، وأصبت بجروح وصلت إلى عظمي، وكنت غائباً عن الوعي، وتم نقلي بعدها من المنزل، وتواريت عن الأنظار، وتم علاجي خارج المستشفيات خوفاً من استهداف جديد”.

وتابع الزهار: “من أصعب اللحظات بعد استشهاد ابنى خالد، كان اغتيال ابنى حسام قائد إحدى سرايا كتائب القسام، أثناء تصديه لاجتياح حي الزيتون، عندما ضربه الاحتلال بقذيفة مدفع دخلت من صدره وخرجت من ظهره”.

وختم الزهار بأن “المعادلة الأن تغيرت، أي أن أي محاولة اغتيال تعني ضرب الاحتلال بالصواريخ والدخول في معركة كبرى”.

أبرز الاغتيالات السياسية الإسرائيلية على مدار عقدين

وفي ما يأتي نرصد أبرز عمليات الاغتيال السياسي الـ 86 التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي في حق قادة فلسطينيين خلال العشرين عاماً المنصرمة:

  • نفذت وحدة كوماندوز إسرائيلية أول عملية اغتيال في ما عُرف في سبعينات وثمانينات القرن الماضي (حرب الأشباح) بين الاحتلال الاسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية، إذ زرعت قنبلة في سيارة عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية رئيس تحرير مجلة “الهدف” الناطقة باسمها الأديب والشاعر والرسّام غسّان كنفاني، انفجرت فور إدارة محركها، في الثامن من تموز (يوليو) 1972، في العاصمة اللبنانية بيروت.
  • اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2004

توفي الرئيس عرفات في مشفى “بيرسي” العسكري في العاصمة الفرنسية باريس، إثر تدهور سريع على صحته في ظل حصار إسرائيلي استمر عدة أشهر، في مقر الرئاسة (المقاطعة) في مدينة رام الله، وسط الضفة، وتبين بعد ذلك أن الزعيم الراحل اغتيل مسموماً بمواد مشعة.

  • اغتيال محمود المبحوح 19 كانون الثاني (يناير) 2010

الشهيد المبحوح أحد قادة كتائب القسام، ويتهمه الاحتلال بالمسؤولية عن خطف وقتل جنديين إسرائيليين خلال الانتفاضة الأولى.

وأعلنت شرطة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة عن اغتيال المبحوح في غرفته بأحد الفنادق، وأثارت حينها غضباً دبلوماسياً إماراتياً.

وبعد 5 سنوات من اغتياله اعترف الاحتلال عبر فيديو مصوّر أن العملية كان يقف جهاز الـ”موساد” ورائها.

  • اغتيال عمر النايف 26 شباط (فبراير) 2016

النايف أحد كوادر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتم اغتياله في السفارة الفلسطينية في بغاريا، في ظروف غامضة، لكن الجبهة اتهمت “إسرائيل” بتدبير عملية الاغتيال.

  • اغتيال محمود أبو هنود أحد قادة كتائب القسام في 23 تموز (يوليو) 2001 ارتقى نتيجة استهداف مركبة قرب نابلس بصاروخ من طائرة مروحية.
  • اغتيال صلاح شحادة القائد العام لكتائب القسام في 22 تموز (يوليو) 2002 بقنبلة زنتها طن أسقطتها من طائرة اف 16 أميركية الصنع على منزله في حي الدرج وسط مدينة غزة.
  • اغتيال إبراهيم المقادمة عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” في 8 آذار (مارس) 2003، بصاروخ أطلقته طائرة مروحية إسرائيلية على مركبته في مدينة غزة.
  • اغتيال إسماعيل أبو شنب 21 آب (أغسطس) 2003، أحد مؤسسي حركة “حماس” بصاروخ من طائرة مروحية استهدفت مركبته في مدينة غزة.
  • اغتيال الشيخ أحمد ياسين 22 آذار(مارس) 2004، مؤسس وزعيم حركة “حماس” بصاروخ أطلقته طائرة مروحية اسرائيلية، عقب خروجه فجرا من مسجد قريب من منزله.
  • اغتيال عبد العزيز الرنتيسي 17 نيسان (أبريل) 2004 أبزر رئيس حركة “حماس” وزعيمها بعد استشهاد أحمد ياسين، بصاروخ أطلقته طائرة حربية إسرائيلية.
  • اغتيال أحمد الجعبري نائب القائد العام لكتائب القسام في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، باستهداف مركبته في مدينة غزة.
  • اغتيال أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 27 آب (أغسطس) 2001، إثر إطلاق مروحية اسرائيلية صاروخين عليه مباشرة أثناء وجوده في مكتبه في مدينة رام الله.
  • اغتيال رائد الكرمي القائد العام لكتاب شهداء الأقصى في 14 كانون الثاني (يناير) 2002، من قبل قوة خاصة إسرائيلية في مدينة طولكرم.

محللون يستبعدون عودة حرب الأشباح

وأجمع محللون ومسؤولون فلسطينيون على أن الاحتلال الإسرائيلي لا يملك الجرأة للعودة إلى سياسة الاغتيالات (حرب الأشباح) في قطاع غزة، خشية الدخول في مواجهة مفتوحة مع فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني.

وأوضح المحلل السياسي طلال عوكل أن قادة الاحتلال والمتطرفين يهدفون من خلال سياسة الترويج لاغتيال قادة فصائل فلسطينية بعينهم إظهار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي للعالم على أنه شخصي، وليس قضية شعب يدافع عن حقوقه، ويسعى لإنهاء الاحتلال المفروض عليه منذ سنوات طويلة.

وأضاف عوكل في تصريح خاص لشبكة مصدر الإخبارية أن “أساس التصعيد المتواصل في الأراضي الفلسطينية الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، والاحتلال اغتال الكثير من قادة الفصائل ولم ينتهِ الصراع، الذي يشهد تسخيناً كبيراً من وقت لأخر”.

وأشار عوكل إلى أن “حكومة الاحتلال بقيادة نفتالي بينت غير قادرة حالياً على اتخاذ قرارات واضحة وجريئة للتعامل مع طبيعة الصراع الحالي، والرد على العمليات الفدائية”.

ورأى عوكل أن “العودة إلى سياسة الاغتيالات يحتاج جرأة، كونها تفتح المجال نحو حرب واسعة، تشمل جميع الأراضي الفلسطينية والداخل المحتل عام 1948”.

وشدّد عوكل على أن “ظروف حكومة بينت والتدخلات الخارجية لا تسمح بعودة سياسة الاغتيالات”.

واعتبر عوكل أن التهديدات الإسرائيلية بالعودة للاغتيالات “فارغة وتأتي في سياق رسائل لتسكين الجمهور الإسرائيلي فقط”.

من جهته، أكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي داوود شهاب، أن تهديدات الاحتلال بالعودة للاغتيالات “لا تخيف فصائل المقاومة والفلسطينيين”.

وشدّد شهاب في تصريح خاص لشبكة مصدر الإخبارية على أن “الشعب الفلسطيني يمتلك القدرة على رد العدوان عن رموزه وأبنائه، والتصدي لجرائم الاحتلال، وصولاً للتحرير”.

وأشار شهاب إلى أن “كل تجارب الشعوب التي واجهت الظلم والاستعمار دلت على أن سياسات العدوان مهما بلغت من الطغيان والجبروت لم تكسر عزيمة الساعين للحرية، ومن يسلكون طريق النضال والمقاومة يدركون أن طريقهم مليئة بالتضحيات والملاحقة”.

اقرأ/ي أيضاً: لهذا السبب.. جيش الاحتلال يوصي بعدم اغتيال السنوار في الوقت الحالي