عندما تلعب إسرائيل بالنار

أقلام _ مصدر الإخبارية

بقلم: رجب أبو سرية

ستكون فلسطين، بل الشرق الأوسط، وربما العالم بأسره، اليوم الجمعة، على موعد مع حدث غاية في الخطورة، ذلك أن هنالك لغما سياسيا، يمكن أن ينفجر، نظرا لأن صاعق التفجير موجود بحوزة جماعة يهودية متطرفة للغاية، هي جماعة الهيكل، التي تنوي أن لا تكتفي بالاقتحام الإرهابي ضد مشاعر المسلمين للحرم القدسي الشريف وحسب، بل والقيام بتقديم القربان للهيكل المزعوم، والمتمثل بذبح خروف أو جدي، كطقس ما زال ينقص طقوسهم، التي يمارسونها خلال فترة احتلال دولتهم المارقة، في الحرم، والتي تعني إعادة إحياء الهيكل.

والحقيقة أن أجواء فلسطين المحتلة كلها متوترة أصلا، وخير دليل على ذلك مجموع ما قامت به قوات الاحتلال من اقتحامات ومن قتل واعتقال للعشرات من المواطنين الفلسطينيين، منذ بداية العام، وبشكل أكثر خلال الشهر الحالي، حيث قال قائد ما يسمى لواء جنين في جيش الاحتلال الإسرائيلي إيال موريال، في سياق تبجحه العسكري يوم الأربعاء الماضي، إن قواته منذ شباط الماضي قامت بتنفيذ أكثر من 150 عملية في جنين وحدها تضمنت اقتحامات واعتقالات، وطبعا قتلا ميدانيا، وأضاف قائلا بما يشي بأن لديه التعليمات أو الصلاحيات من قيادته العسكرية والسياسية، بأن قواته تتمتع بحرية العمل الكبيرة في شمال الضفة الغربية، خاصة جنين وطولكرم، هذا مع العلم بأن هذه المناطق هي مناطق السلطة الفلسطينية التي تحظر الاتفاقيات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على الجيش الإسرائيلي دخولها.

لعله صار من نافل القول أو من تكراره، أن نقول إن انسداد الأفق السياسي، ورفع الحكومات اليمينية الإسرائيلية، بما فيها الحكومة الحالية من وتيرة الاستفزاز المتضمنة لزيادة الاستيطان، والتطاول على الحقوق الوطنية والخاصة للفلسطينيين كشعب وكأفراد، قد جعل الأرض تغلي في عموم مناطق الضفة المحتلة، كما أن إطلاق العنان للمستوطنين بممارسة العربدة والإرهاب، بشكل متصاعد قد أوصل الحالة لدرجة الغليان، وكان من الواضح لكل من في رأسه عقل، أن الأمور هكذا ستعني حريقا هائلا، في شهر رمضان، الذي يعتبر شهر عبادة خاصة للفلسطينيين كمسلمين، وأن زيادة وتيرة الاحتكاك خاصة في القدس ستعني اندلاع الحريق بين الطرفين لا محالة.

والإسرائيليون أنفسهم أدركوا هذا الخطر، لذا قاموا بإجراء حوارات عديدة مع الجانبين الفلسطيني والأردني، وعبر أهم وزيرين بعد رئيس الحكومة، نقصد كلا من بيني غانتس ويائير لابيد، لكن ما زال الصراع داخل الحكومة نفسها قائما، على درجة حد أو مستوى دعم الحكومة للمتطرفين من المستوطنين، ويبدو أن غانتس تحديدا اعتقد بأن التسهيلات تعتبر كافية للحصول على صمت الشعب الفلسطيني، عما هو قادم من تجاوز لكل ما وقع حتى الآن من أفعال إرهابية استيطانية من قبل المتطرفين اليهود، خاصة جماعات الهيكل. وما زاد من ضعف الحكومة الإسرائيلية حتى في التصدي لانفلات تطرف جماعة الهيكل من عقاله، هو ما حدث قبل أيام من فقدان الحكومة لأغلبيتها الضيقة في الكنيست، حيث إنها باتت أضعف من أي وقت مضى، ورئيسها نفتالي بينت – الذي وصل لما هو عليه اليوم كمستوطن، فلا هو ولا نحن ننسى أنه كان رئيس مجلس “يشع” الاستيطاني – يمكنه أن يفعل أي شيء مقابل أن يبقى جالسا على مقعد رئيس الحكومة أطول وقت ممكن.

أما جماعة الهيكل فقد رصدت مكافآت مالية مجزية لمن ينجح في إدخال أي ذبيحة للحرم، ومكافأة أكبر لمن ينجح في إتمام عملية الذبح، بما يعني أنهم لن يتورعوا عن ذبح العديد من القرابين، ونثر دمائها على جدران وأبواب المسجد الأقصى المبارك، وذلك تمهيداً لبدء عملية بناء الهيكل مكان المسجد، أي بما يعني أن ذلك سيكون الخطوة الأخيرة قبل الإقدام على هدم المسجد، وفي أقل الاحتمالات سوءا، تقاسمه مع المسلمين!

مع هذه الصورة نسأل: كيف يمكن لعالم اليوم المتحضر، أن يقر لمجموعات من المتطرفين دينيا، أن يمارسوا جنونهم على حساب مشاعر الآخرين، مع أن هؤلاء لا يختلفون في شيء عن جماعات الإرهاب الديني التي حاربها الغرب بالتحديد، ونقصد داعش والقاعدة والنصرة وغيرها، فجماعات الهيكل تكفّر كل من هم على غير ملّتها، وتستبيح مشاعرهم وحقوقهم، بل وتحرّض على قتلهم، وهي ما زالت تتمتع بدعم الحكومة الإسرائيلية، بل إن بعضها لديه ترخيص رسمي، يمارس بموجبه كل ما يريد ويشاء، بل كل ما يخطر بباله. أو يقول له به عقله المريض.

وأن يظهر المتطرفون والإرهابيون وحتى المجانين هنا وهناك، فهذا أمر قد يعتبر طبيعيا بعض الشيء في الدول والمجتمعات، لكن أن يتمتع مثل هؤلاء بالدعم والإسناد الحكومي، فهذا يعني أن دولة إسرائيل ما هي إلا دولة راعية للإرهاب الاستيطاني اليهودي، وما هي إلا دولة تمارس الفصل العنصري، في عالم لم يعد فيه يحتمل مثل هذا النمط من الحكم.

وحيث إن الحكومة الإسرائيلية باتت خاضعة منذ وقت طويل للتطرف اليميني، وللمستوطنين، الذين منعوها من متابعة طريق التفاوض مع الجانب الفلسطيني منذ العام 2014 حتى اليوم، يمكن القول إنها حاليا تقترب من الخضوع للإرهابيين من المستوطنين، وإن ذلك الخضوع، بالمقابل يجعل من ضبط النفس الفلسطيني أمراً مستحيلاً، بل يجعل قدرة السلطة الفلسطينية، رغم كل ما تتمتع به من إيمان بالسلام، والمقاومة الشعبية السلمية، على إقناع الشعب الفلسطيني باستراتيجيتها السياسية أمرا صعبا للغاية، وهكذا فإن القدرة على تجنب المواجهة الدامية، لا تتمتع بالقدر الكبير من إيجابية الاحتمال.

ولعل بعض الإسرائيليين يظنون بأن انشغال العالم، وخاصة الإدارة الأميركية بالحرب الروسية/الأوكرانية، فرصة يمكن استغلالها للتطاول على المسجد الأقصى للحد الذي يصفه قادة فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة بالخط الأحمر، وهم بذلك في حقيقة الأمر – أي بعض الإسرائيليين – واهمون، لكنهم يلعبون بالنار.

ذلك أنهم يظنون أنه يمكن أن ينفردوا بالقدس، وأن حربهم الأخيرة على جنين، قد أرهبت الفلسطينيين لدرجة أن يصمتوا على الفصل الأخير من تهويد المسجد الأقصى، وترك كتيبة المقاومة المتقدمة، أي المرابطين وحدها تواجه جماعة الهيكل الإرهابية، وأن غزة التي أجمعت على عدم التصعيد يمكن أن تسمح بتمرير تلك الخطوة الإجرامية، بل السلطة الفلسطينية وكل الشعب الفلسطيني وكل فصائله في كل مكان يمكن أن يصمتوا أو أن لا يظهروا أقصى درجات رد الفعل، ولكل هذا نقول إن اللحظة بين اليوم والغد فارقة، وإن مر اليوم على خير، فإن بقاء جماعة الهيكل دون ملاحقة دولية سياسية وقضائية يجب أن لا يمر.