في ظلال رمضان الخير.. العدو يُصعِّد والمقاومة تستعد

أقلام _ مصدر الإخبارية

د. محمود العجرمي

على أعتاب شهر رمضان المبارك نعيش عبق هذا الشهر الفضيل الذي تفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب النار وتصفد الشياطين، ويُضاعف فيه الله الحسنات، ويزيد فيه أرزاق عباده المؤمنين والعتق من النار وزهد النفس في الدنيا، وفيه يستجيب الله لدعوة الصائم.

في هذه الأجواء الإيمانية يعيش الشعب الفلسطيني أياماً من التصعيد الدموي والهجمات الشرسة على الأراضي الفلسطينية في النقب ومخططات التهويد والاستيطان وفي المثلث والجليل وفي الضفة الفلسطينية المحتلة بما يشكل تهديداً جدياً خطيراً ووجودياً للشعب على أرضه.

ويستثمر كيان العدو جائحة كورونا، لينشر الآلاف من قواته وتحديداً فيما يسميها البلدات التي تقطن فيها غالبية فلسطينية، ويدعي أن هدفه هو تعزيز الانضباط المدني والالتزام بالتعليمات في أثناء أيام الشهر الفضيل!

وتقوم أجهزة أمن العدو بتشديد إجراءاتها، ولا سيما خلال ساعات المساء عقب تناول طعام الإفطار حتى صباح اليوم التالي، وذلك “من أجل ضمان سلامة وأمن المواطنين وسكان الدولة ولتأمين البقاء في البيوت والحد من التجول، كما تنشر أجهزة أمن الدولة في وسائل إعلامها.

وتذكر وسائل إعلام العدو أن الشرطة ستعمل براً وجواً من أجل ضمان انصياع المواطنين للتعليمات بهدف منع التجمعات ومنع الخروج إلى الأماكن العامة أو إلى أي مكان آخر تحظره أنظمة الطوارئ، وذلك عبر تسيير دوريات وإقامة حواجز واستخدام مروحيات وطائرات مسيرة.

ولقد لوحظ على نحو جلي أن عمليات جيش الاحتلال التي تعددت فصولها خلال اقتحامات المدن والقرى المخيمات وفي مسلسل الاعتقالات التي طالت العشرات يوميا إلى جانب انتهاك حرمات البيوت وتخريب الأثاث المنزلي والضرب المبرح للآباء والأمهات أمام الأبناء وبأساليب وحشية قبل الاعتقال.

ويطال هذا السلوك النازي ممتلكات المواطنين الفلسطينيين كالسيارات والمحال التجارية واقتلاع الأشجار المثمرة وأشتال الزيتون، وتدمير المنازل تحت دعاوى عدم الترخيص.

ولقد سجلت العديد من المنظمات الدولية الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني وفي مقدمتها منظمة “أمنستي إنترناشيونال” و”هيومان رايتس ووتش” بل ووصفت ما يجري من تنكيل بأن كيان الاحتلال “نظام تمييز عنصري”، وأنه أكثر انحداراً من نظام التمييز العنصري البائد في جنوب إفريقيا الذي سقط عام 1994، فهو نظام لا يكتفي بالتمييز العنصري البغيض والشائن فقط، وإنما يمارس فوق ذلك عمليات التطهير العرقي الكولونيالي الإحلالي بترحيل أبناء الشعب الفلسطيني أصحاب الأرض الأصليين، ليحل مكانهم مستوطنون جاؤوا من أركان الأرض الأربعة، من خلال عمليات ترانسفير دموية أو بنزع كل مقومات الحياة والعنف.

هذه السياسة الممنهجة التي تمارسها حكومات الكيان الاستيطاني المتعاقبة في فلسطين المحتلة تزداد سُعاراً مع حكومة المستوطن اليميني نفتالي بينيت الذي يُسلح المستوطنين للاعتداء على أبناء الشعب الفلسطيني على امتداد الضفة الفلسطينية المحتلة، وعلى نحو خاص في القدس المحتلة التي تشهد توترات واقتحامات دائمة وعلى مدار الساعة يسقط فيها الشهداء والجرحى والمعتقلين.

ويستعد جيش العدو وفي كل فلسطين المحتلة ويجند الآلاف من شرطته ومن جيشه الاحتياطي لما يقدر أنه سيواجه شهر رمضان ساخنا ومختلفا هذا العام خاصة في مدينة القدس التي ستجمع بين شهر رمضان المبارك وعيد الفصح اليهودي.

وذكرت وسائل الإعلام الصهيونية أن سلطات الاحتلال تحاول جاهدة امتصاص حالة الاحتقان التي تضطرم في صدور أبناء الشعب الفلسطيني بما تسميه “تسهيلات” بزيادة عدد العمال داخل فلسطين المحتلة عام 1948 وذلك من الضفة وقطاع غزة، للمرة الأولى منذ عامين، وبالسماح للمواطنين من الضفة بدخول المناطق المحتلة عام 1948 إلى جانب زيادة عدد المصلين في المسجد الأقصى المبارك وعدد العائلات التي تزور أبناءها الأسرى في سجون العدو.

ولكن مقاومة الشعب الفلسطيني الباسلة لا تستمع إلى أقوالهم، فأفعالهم تشي بشيء آخر تماماً، وجيش العدو وشرطته ومستوطنوه يتغولون بأفعالهم المجرمة في طول الأرض الوطنية المحتلة وعرضها، بهدف تهويدها وفصل القدس عن محيطها الفلسطيني، وردم ما تبقى من أضغاث أحلام وهْم “حل الدولتين”.

يأتي ذلك تزامناً مع إعلان وزير الأمن الداخلي عومر بارليف بالسماح للمستوطنين الصهاينة باقتحام المسجد الأقصى خلال هذا الشهر الفضيل واستمرار حالة التدنيس كما كانت عليه خلال الأشهر المنصرمة، بما ينذر بانفجارات أكيدة، وتوقع استمرار وتصاعد انتفاضة الشعب الفلسطيني في كل أنحاء الوطن المحتل، ويقدر من يتابع الشأن الفلسطيني من كثب أن حلقة جديدة وأكثر عُنفاً لمعارك “سيف القدس 1” قادمة وعلى الأبواب.

حالة الاستنفار القصوى الجارية الآن لدى حكومة بينيت، تماثلها أيضاً حالة غير مسبوقة في أروقة مقاطعة رام الله المحتلة، حيث أعلنت ذلك أجهزة عباس الأمنية الطوارئ، وتتكثف مع ذلك عمليات التخابر مع العدو بتزويده بقوائم وعناوين كل من يشكلون خطراً جدياً عليه خلال الأسابيع القادمة، فنحن اليوم نعيش ما يماثل ذات التطورات التي قادت للانفجار في العام الماضي، وعيد الفصح اليهودي يقتضي ذبح القرابين و “جماعات المعبد” المتطرفة كانت تحاول جاهدة القيام بذلك داخل المسجد الأقصى المبارك، هذه الجماعات نجحت في الوصول إلى السور الجنوبي للمسجد بحماية مكثفة من شرطة وجيش الاحتلال عام 2018، وحاولت في العام الذي تلاه 2019، ولكن هبة باب الرحمة كانت لهم بالمرصاد، فتوقف فعل التدنيس المنكر في حينه.

ويبدو أن “جماعات المعبد” ستستثمر ضعف حكومة بينيت، وقد تقدم على ذلك خلال الأيام القادمة، وهي تطمح لاقتطاع مساحة دائمة من حرم المسجد الأقصى لأداء طقوسهم الاستفزازية كما يفعلون اليوم في المسجد الإبراهيمي في خليل الرحمن، كما ستحاول استغلال هذه الهشاشة إلى أقصاها اعتقاداً منها أن “بينيت” لم يتمكن من التصدي لخططها بشكل حازم، خاصة أن قاعدته الانتخابية يعتريها الضعف، وحتى إذا سقطت الحكومة فإن هذا قد يفتح الطريق على مصراعيه لسيطرة مطلقة للتيارات اليمينية الأكثر راديكالية من حكومة اليمين الراهنة.

صحيح أن رئيس الوزراء نفتالي بينيت بين نارين، ولكنه يرى أن التخفيف من وهجها المندلع قد يكون المخرج الآمن ولو إلى حين، ولهذا أقرت المحكمة الإسرائيلية العليا تأجيل عمليات الإخلاء في حي الشيخ جراح، وكذلك تعليق قضية ملكية العقارات، وقد كان اعتبارها ملكية يهودية خالصة أمراً غير خاضع للمساءلة، ولهذا مارس وزير خارجية العدو يائير لابيد الدبلوماسية المكوكية حين طار إلى عدة دول عربية وغير عربية لوقف أي تدهور قادم دون أن يُدرك أن المسجد الأقصى وكل القدس خط أحمر، وستبقى دوماً كذلك عنواناً للمعارك القادمة وستبرهن فصائل المقاومة أنها الخاصرة الطرية الأضعف لعدو قالوا يوماً إنه لا يُهزم.