بعد تلاشي الآمال.. كيف تنجح الجزائر في رأب الصدع الفلسطيني وتحقيق المصالحة؟

ممثلو فصائل ومحللون يوضحون مدى إمكانية نجاح المساعي

تقرير خاص – مصدر الإخبارية 

بجهود حثيثة وآمالٍ تلاشت فلسطينياً منذ فشل جولات المصالحة التي امتدت على مدار نحو 16 عاماً من الانقسام، تسعى دولة الجزائر اليوم إلى إعادة حبال الوصل بين أنحاء الوطن المتقطعة، باجتماعات وحوار وطني يضم ممثلي فصائل فلسطينية شكل بعضها محوري الانقسام الأساسيين.

حوارات واجتماعات جديدة من المقرر أن تنطلق خلال الفترة المقبلة بين الفصائل الستة (حركة فتح، حركة حماس، الجبهة الشعبية، الجبهة الشعبية – القيادة العامة، الجبهة الديمقراطية، حركة الجهاد الإسلامي) التي توجه ممثلوها إلى الجزائر، في سبيل الوصول إلى قواسم مشتركة تساهم في إخراج القضية الفلسطينية من النفق المظلم إلى أوليات المجتمع الدولي، بعد أن أجريت جولة أولى في كانون الثاني الماضي.

وتعمل الجزائر، وفق ما كشفه ممثلون عن الفصائل، على مواصلة الاستماع لكافة المقترحات المقدمة من أجل التوصل إلى خارطة طريق، تؤدي إلى إغلاق ملف الانقسام الفلسطيني، آملة في إنجاز هذا الأمر قبل القمة العربية التي تستعد لاتسضافتها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، في وقت سُمح بتحديده على أن يكون بعيد نسبياً ليتثنى للجزائر أخذ فرصتها الزمنية لإتمام ما تسعى إليه.

المصالحة لن تتم إلا على أرض الجزائر

وفي هذا السياق، وجّه صالح قوجيل، رئيس مجلس الأمة في الجزائر، رسالة للفصائل الفلسطينية بشأن الوحدة، مؤكداً فيها على أن “المصالحة لا يمكن أن تتحقق إلا على أرض الجزائر”.

ودعا قوجيل، في كلمة له أمام مجلس الأمة، الثلاثاء، الفلسطينيين إلى الاستلهام من التاريخ الجزائري، حيث لم تنجح الثورة الجزائرية إلا بعد توحد الجميع في نوفمبر (تشرين الثاني) 1954، مع قبول مساعدة الأشقاء دون السماح لهم بالتدخل في الشأن الجزائري، حد تعبيره.

وقال: “كثير من الأخوة ساندوا الشعب الفلسطيني لكنهم يتدخلون في الشأن الداخلي وهذا ما ذكرته للأخوة في فلسطين بأنكم لن تحصلوا على دولتكم وعاصمتها القدس الشريف إلا بالمرور أولاً على الوحدة مثلما وحدت الجزائر صفوفها بالثورة”.

وأضاف الرجل الثاني في الدولة: “لا يوجد إلا الجزائر من تستطيع تقديم هذا الاقتراح، والفلسطينيون لا يقدرون على الوحدة إلا في الجزائر”. وأردف: “موقفنا منذ وقت الثورة ألا نتدخل في الشأن الفلسطيني ولم نقبل يوماً أن يرتبط بنا فصيل مثلما يفعل آخرون”.

غياب للتشاؤل

وتعقيباً على رسالة قوجيل، قال الناطق باسم حركة “فتح” حسين حمايل: “إن الحركة متفائلة إزاء حوار الجزائر، التي تأتي وسط متغيرات دولية كبيرة”، مرحباً برسالة قوجيل ومقدراً دور الجزائر في رعاية حوارات الوحدة الفلسطينية.

وأضاف حمايل في تصريح لمصدر الإخبارية، أن حركة فتح على أتم الاستعداد والجهوزية لأي مستجد يخدم ملف المصالحة، ومستعدة أيضاً لتقديم أي تنازلات في هذا الاتجاه، بشرط ألا تمس الثوابت الفلسطينية واستقلالية القرار الفلسطيني، حد قوله.

من جانبه، أعرب عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، محمد الغول، عن شكره للجهود الجزائرية في إتمام المصالحة الفلسطينية، مقدراً دورها المهم والأساسي في هذا الاتجاه، ومعتبراً إياه استكمالاً للدور المصري والمساعي المصرية لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام.

وقال الغول، في تصريح لمصدر الإخبارية، إن “الأخوة في الجزائر مُصرّون على تذليل العقبات من أجل إنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية”، متوقعاً أنه لا يمكن للجزائر أن تذهب إلى خطوة يمكن أن تشكل فشلاً، في ظل هذا الاهتمام والإصرار الكبيرين على الوصول إلى نتائج إيجابية.

واعتبر أن عدم حدوث أي خرق حتى اللحظة في هذا الملف يكمن في عدم توفر الإرادة الفلسطينية الحقيقية لإنهاء الانقسام الفلسطيني.

وأضاف الغول، أن “مفتاح الحل بيد الرئيس محمود عباس، من خلال دعوة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية (لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية) أو الدعوة لاجتماع لمجلس الأمناء العامين”.

وبيّن أن هناك العديد من النقاط تم الاتفاق عليها في القاهرة وفي محطات سابقة وهناك اتفاق وطني على ضرورة تطوير وتفعيل صيغة منظمة التحرير على اعتبار أنها الصيغة الانتقالية حتى إتمام إجراء الانتخابات في كافة المؤسسات الفلسطينية وفي القلب منها المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره الأساس والمرجعية السياسية للشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، وفق قوله.

وطالب الغول  باستمرار حالة الضغط على أطراف الانقسام، وأن يكون هناك “أوسع التفاف شعبي وجبهة وطنية عريضة تضم جميع المطالبين بالخلاص من هذه الحالة الراهنة”.

وطالب أيضاً بتشكيل حراك شعبي وجماهيري ضاغط من أجل إلزام الجميع وتحقيق الوحدة الوطنية معزياً ذلك إلى “أنه لا مناص للشعب الفلسطيني ولا خلاص من الاحتلال إلا من خلال الوحدة والمقاومة”، مضيفاً  أن “الفلسطينيين أمام برنامجين، برنامج مقاومة وبرنامج تسوية والشعب الفلسطيني بأغلبيته يلتف حول خيار المقاومة..”.

وفي سياق ذي صلة، اعتبر الغول أن “اجتماع المجلس المركزي اجتماعاً منقوص الشرعية القانونية والسياسية وان اكتمل نصابه، في ظل غياب قوى وازنة كالجبهة الشعبية والمبادرة الوطنية وشخصيات وطنية واعتبارية وغياب حركتي حماس والجهاد الإسلامي”.

وشدد على على أهمية إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها على أسس تشاركية وعلى أساس الانتخابات في كافة المؤسسات وإعادة الاعتبار لهذه المؤسسة باعتبارها أداة كفاحية والمرجعية السياسية للشعب الفلسطيني.

كما اعتبر أن “إعلان منظمة التحرير دائرة من دوائر السلطة بالانقلاب على المنظمة والأصل اعتبار السلطة الفلسطينية ذراع من أذرع منظمة التحرير ودائرة من دوائرها”.

حوار الجزائر بزاوية تحليلية

وحول إمكانية إحداث اختراق فعلي في ملف المصالحة الفلسطينية بجهود جزائرية، شكك الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، في إمكانية إحداث أي خرق، بعد توجه معظم الفصائل للمشاركة في حوار الجزائر، بعد ان باءت جولات الحوار السابقة بالفشل على مدار سنوات الانقسام.

وقال عوكل في حديث لمصدر الإخبارية، إن “الحوار الذي يجري حالياً هو حوار تكرر مراراً ولا جديد يذكر على مستوى تقديم تنازلات كبيرة من قبل أطراف الانقسام، يمكن أن تحدث نقلة في هذا الملف”.

وتوقع عوكل أن يستمر الوضع الراهن لفترة ليست بالقصيرة، لعمق الخلاف السياسي بين من يتمسك بثوابت المقاومة وحل اتفاق أوسلو وبين من لا يزال ينتظر حراك دولي ينشط المفاوضات ويعيد عملية السلام إلى مستوى معين، حد تعبيره.

وشدد على أنه لا يمكن إحداث أي إنجاز في هذه القضية إلا من خلال وصول جميع الأطراف إلى قناعة أن طريق السلام مع إسرائيل مغلق تماماً، وبالتالي لا سبيل حينها أمام الفلسطينيين سوى أن يتحدوا على مواصلة المقاومة بكافة أشكالها.

وبخصوص رسالة قوجيل حول الوحدة، قال عوكل، إن الجزائر دولة وقفت ولا تزال تقف إلى جانب الفلسطينيين، ولكن بعدها الجغرافي عن فلسطين يشكل عائق كبير قد يمنعها من إنهاء الإنقسام، سيما بعد فشل جهود بلدان قريبة جغرافياً من البلاد مثل الجهود الأردنية والمصرية.

وحول حيادية دور الجزائر في الحوار الفلسطيني الفلسطيني، ذكر إن الأمر غير مرتبط بموضوع الحياد لأنه كان الطبع السائد في جميع النقاشات التي أسفر عنها نتائج معينة وكانت بوساطات عربية أخرى.

مؤكداً أنه لم يكن هناك ضغط على طرف على حساب الطرف الآخر، وأن المعضلة الحقيقية تكمن في أن الفلسطينيين وقعوا في “فخ” وهذا الفخ يحتاج إلى تغيرات واسعة وكبيرة جداً لدى الفلسطينيون بالدرجة الأولى لحدوث نقلة إلى الأمام.

وعلى النقيض، توقع أستاذ العلوم السياسية مخيمر أبو سعدة حدوث اختراق في الملف هذه المرة وإن كان ضعيفاً، في ظل صعوبة الوضع الفلسطيني الذي مر عليه أكثر من 15 عاماً.

وقال مخيمر لمصدر الإخبارية إن هذا الاتقاق في حال اتمامه سيتم رفعه إلى الجامعة العربية في اجتماعها المقبل، من خلال ورقة تفاهم، مؤكداً على وجود مؤشرات إيجابية بهذا الجانب.

وأضاف: “الجزائر بصدد اعتماد ورقة تشكل أرضية يمكن البناء عليها في ملف المصالحة، بتنسيق مع مسؤولين مصريين كي يتخذ هذا الموضوع صداه على النحو المطلوب”.

وأردف أن: “الجزائريون يعملون على تسوية إنجاز هذا  الملف بشكل بطيء بالتنسيق المشترك مع مصر، وهناك إصرار على الوصول إلى ورقة تفاهم تعرض خلال اجتماع الجامعة العربية المقبل”.

وبيّن أنه “من الواضح أن الدول التي رعت المصالحة سابقاً كانت تخدم طرف على حساب الطرف الآخر وهذا الأمر معروف لدى الجميع، ولكن الحالة الجزائرية تختلف لوجود ميزتين، الأولى أن الجزائر خاضت تجربة تحرر وطني وكان لديهم فصائل متعددة ومندرجة تحت مسمى “جبهة التحرير الوطني الجزائري”، وبالتالي يمكن الاستفادة من تجربتهم فلسطينياً، والثانية، أن الجزائر تبعد على مسافة متساوية عن قطبي النزاع الفلسطيني (فتح وحماس) وليس لديها توجه لطرف على حساب الطرف الآخر، وهدفهم الوحيد هو إنجاح المصالحة”.

وفي ديسمبر من العام الماضي، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال لقائه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن بلاده تنوي استضافة مؤتمر “جامع للفصائل الفلسطينية”، وأعرب حينها عن أمله لأن “تكون القضية الفلسطينية على رأس أولويات القمة العربية المرتقبة في الجزائر”.

وحرص الرئيس الجزائري بعد ذلك على التوجه إلى مصر في زيارة كان من ضمن أجندتها بحث هذا الملف كون مصر ظلت باستمرار راعية لقضية المصالحة، وهو ما رأى فيه مراقبون تأكيداً من الجزائر على عدم الظهور كوسيط منافس لمصر وإشراكها في الجهود التي تقوم بها.

اقرأ/ي أيضاً: رسالة من الرئيس عباس لنظيره الجزائري .. طالع فحواها