عيد النصر الجزائري.. حكاية شعبٍ امتزجت دماؤه بحرية الأرض

خاص مصدر الاخبارية – أسعد البيروتي

يُحيي الجزائريون هذه الأيام، ذكرى يوم النصر، الذي انتزعه المقاتلون الأحرار من بين أنياب الاستعمار الفرنسي عام 1962 م.

ويعتبر يوم النصر، مناسبةً وطنية، يُشارك فيها الجزائريون بكافة أطيافهم وأحزابهم وبرلماناتهم، يرفعون خلالها أعلام بلادهم ويرددون أناشيد الثورة التي عُبّدت بدماء آلاف الشهداء.

مصدر الاخبارية، أفردت مساحةً في موقعها الالكتروني، للحديث عن يوم النصر الجزائري، تعزيزًا للعلاقات الثنائية بين شعبي الجزائر وفلسطين كآخر الشعوب العربية احتلالًا مِن قِبل السلطات الاسرائيلية.

بدوره قال النائب الجزائري يوسف عجيسة: “في مثل هذا اليوم كان انتصار الجزائرين عقب مفاوضات صعبة وعسيرة دامت على مدار عامين بين 1960 – 1962، خاضها الوفد الجزائري ونظيره الفرنسي، حتى جاء النصر بعد جهودٍ كبيرة وطويلة وتضحيات جِسام، على مدار 7 سنوات ونصف من الثورة المسلحة، إلى حِين تتويجها بالنصر الجزائري”.

وأضاف خلال تصريحاتٍ لمصدر الاخبارية: “الفرنسيون أطالوا أمد المفاوضات بهدف خنق الثورة الجزائرية والتغلب على المجاهدين الذين رفعوا السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي”.

ووجه النائب عجيسة رسالة للشعب الفلسطيني قائلًا: “رسائلنا كجزائريين للشعب الفلسطيني المقاوم الذي يُمثّل الخط الأول في الدفاع عن الأمة ومقدساتها بل عن المسلمين أجمعين، بضرورة استهلام التجربة الجزائرية في النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وألا يسمح الفلسطينيون للاحتلال بأن يكون أمرًا واقعًا، على الرغم أنهم لم يقصروا في النضال ضده، وقدموا الأرواح والمنازل وهم معرضون للعدوان في كل لحظة”.

الفلسطينيون لا يحتاجون مفاوضات عبثية

ودعا النائب الجزائري، الشعب الفلسطيني إلى مواصلة صموده ونضاله ضد الاحتلال، وصولًا للتحرير واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، مؤكدًا: ” الفلسطينيون لا يحتاجون إلى مفاوضات عبثية كالتي تُجريها السلطة الفلسطينية وتُعطي بموجبها الأرض للاحتلال بدون مقابل”.

وأشار إلى أن معركة سيف القدس أرت العالم كيف استبسلت المقاومة في الدفاع عن المقدسات، مما يدعونا جميعًا إلى الالتفات حول المقاومة وتعزيز مشروعها في وجه الاحتلال، ومناصرة حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية لحين عودة اللاجئين المُهجرين من الأراضي المحتلة عام 1948.

وأوضح أن “النصر الجزائري لم يكن عبثيًا بل دفع الجزائريون مقابلًا كبيرًا هو مليون ونصف شهداء، كان منهم القادة والزعماء، الشيوخ، الجنود، الأطفال، النساء، العلماء، الدعاة، وغيرهم من أطياف الشعب الجزائري ضحوا من أجل الوطن، وقبل الثورة المسلحة كان هناك مقاومة شعبية ضد الاستعمار حتى نالت البلاد استقلالها في 5 تموز 1962”.

وبيّن عجيسة، أن الاستعمار الفرنسي، حاول خلال سنوات احتلاله الجزائر، تغيير الهوية الثقافية والاسلامية والانسانية، إلا أن الأهالي تصدوا لهذه المخططات بمزيدٍ من الصمود والثبات على المبادئ والإصرار على النصر والاستقلال ونيل الحرية الموعودة.

تجاذبات ما بعد النصر الجزائري
وفيما يتعلق بأبعاد النصر على مستقبل الجزائر قال النائب الجزائري يوسف عجيسة: إن “البلاد شهدت ما بعد النصر تجاذبات سياسية ومشاريع مشبوهة وتحركات من هنا وهناك، قبل خروج المستثمر الفرنسي الذي سرق البلاد ونهب العِباد ودمر المساجد وانتهك الأعراض، واستطاع الجزائريون تأسيس دولة شعبية ديمقراطية اجتماعية في اطار المبادئ الانسانية”.

وأضاف النائب عجيسة لمصدر: “الجزائر رُويت بدماء الشهداء من أجل قوتها وحريتها وليكون قرارها بيدها وحدها ويعيش أهلها حياة الرفاهية والحرية، وصولًا إلى بناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات تكون لها سيادتها على الأرض”.

وبيّن أن برغم ضغط الحزب الحاكم على الحياة السياسية والتعددية، إلى جانب مرورها بعشر سنوات من مآساتها الوطنية قُتل خلالها ما يزيد عن 250 ألف جزائري، تدخلت خلالها قُوى أجنبية بهدف زرع الفتنة، إلى حِين اعادة بناء المؤسسات برغم الفساد والظلم والاعتداء على الحريات”.

وتابع: “الجزائر تمضي نحو مزيدٍ من الحريات والاستقلال والمستقبل المشرق بالإنجازات، في ظل سعيها المستمر لأن تكون دولة عظيمة وتصبح واحةً جامعةً للكل العربي لحشد كافة الجهود لتحرير فلسطين، حيث أن الجزائر رغم كل ما مرت به سابقًا، كان موقفها ثابت من القضية الفلسطينية على مدار التاريخ”.

فلسطين القضية المركزية
وأردف: “فلسطين القضية المركزية لها مكانتها على المستوى الرسمي والشعبي المتمثل في مقولة الرئيس الجزائري الأسبق هواري بو مدين أن الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، حيث سار الرئيس الحالي عبد المجيد تبون على النهج ذاته بقوله “نرفض التطبيع ولا نُباركه، ستبقى فلسطين عربية والاحتلال إلى زوال”.

وختم عجيسة حديثه لمصدر الاخبارية قائلًا: “اعلموا جيدًا أن الاحتلال إلى زوال وأن مستقبل فلسطين هو التحرر من أنياب الاحتلال الاسرائيلي، ليكون سيد قراره ويعمل على تعزيز حقوقه في أرضه”.

اعتزاز بتضحيات الأجداد
من جانبها عبّرت الاعلامية الجزائرية منار منصري، عن اعتزاها بما قدمه الأجداد الجزائريون الذين شاركوا عن بَكرة أبيهم في الثورة، فمن لم يُشارك مباشرةً بحمل السلاح وشرائه وبيعه، كان مشاركًا فاعلًا في الدعم اللوجستي”.

وأضافت منصري خلال تصريحاتٍ لمصدر الاخبارية: “ما عاشه الجزائريون كان معركةً بكل ما تعنيه الكلمة، استدعت مشاركة الجميع بكافة أطيافه، مضيفة أن الثورة شكّلت ملحمةً انسانية حقيقية روت بطولات شعب آمن بحقه في الحرية والانتصار رغم كل المؤشرات التي كانت عكس ذلك بعد 130 عامًا من الاستعمار”.

وتابعت: “الثورة الجزائرية عام 1962 لم تكن الأولى، حيث حاول الاستعمار الفرنسي اجهاض أي محاولات للانتصار عبر تفريق القُوى المسلحة المُقاومة للإحتلال بكل بَسالة، لأن ارادة الشعب كانت أقوى من كل التهديدات”.

وأردفت: “أعتز وأفتخر ببلدي الجزائر، وأنتهز هذه المناسبة لأقف اجلالًا وإكبارًا لدماء الشهداء التي تستوجب منا الوفاء، اكرامًا لتضحياتهم وتقديمهم الغالي والنفيس ليعيش الجزائريون بكرامةٍ كاملة وتامة وتعيش البلاد في سيادةٍ حقيقية، داعيةً إلى ضرورة إكمال ما بدأه الأجداد وصولًا إلى السيادة والاستقلال المُطلقَينْ، حيث أن المعركة طويلة ومستمرة وهي أشد من معارك السلاح”.

مرحلة حاسمة
تصف الاعلامية منصري، فترة الثورة الجزائرية بأنها “حاسمة”، بدأت عذراء بـ 20 شاب جزائري، وصولًا لتصبح ثورة شعب بأكمله، حيث تجنّد الجميع للمشاركة بهذه الثورة، داعيةً إلى ضرورة استهلام الدُروس والعِبر بضرورة العمل على كافة المستويات على عكس بما حدث في ثورات الربيع العربي حيث عملت على الدور الداخلي فقط وهمشت باقي الجبهات”.

وأضافت: “الثورة الجزائرية عملت على كل الجبهات الدبلوماسية، الحقوقية، الانسانية، الاقتصادية، السياسية، العلمية، الرياضية، إضافة إلى الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، مع الأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات الاقليمية والدولية أكسبت الثورة نجاحًا”.

وأشارت، إلى أن “الثورة الجزائرية تُعد نموذجًا يُحتدى به، مع تغير المعطيات والتفاصيل، آملًا رؤية الجميع ملتف حول القضية الفلسطينية وكافة الشعوب المضطهدة، لافتًا إلى وجود “العملاء” في كل البلاد، بالوقت الذي كان يعيش الجزائر فيه حزنًا وثورة وكفاحًا حينما كانت الثورة تسكن كل بيت وقلب ما أكسبها نجاحًا وانتصارًا”.

حكاية ممتدة من النضال
تقول الاعلامية منصري: إن “حكايتنا مع المقاومة والنضال ممتدة على مدار التاريخ، ما جعلها مطمعًا للمستعمرين، ما دفع بشعبها للنضال والكفاح وصولًا إلى الاستقلال والحرية، وهو ما جعلها حكاية طويلة عبر التاريخ، حيث يستمر أهلها في المقاومة ليروا بلادهم على الوجه الذي يُحبوه ويرغبون”.

وأشارت، إلى أن الشعب الجزائري، قدم طِيلة السنوات الماضية، نموذجًا فاعلًا في النضال السلمي كما قدمه في النضال المُسلح، متشبتًا بحقوقه الوطنية ومُعتزًا بثورته المجيدة، لأن تضحيات الأجداد لن تذهب هباءً منثورًا”.

يُذكر أن فرنسا، أحيت أمس السبت، ذكرى مرور ستين عاماً على توقيع اتفاقات “إيفيان”، على هامش المبادرات المتعلقة بذاكرة حرب الجزائر، المُعلنة منذ بداية ولاية الرئيس ايمانويل ماكرون، في سياق حملةٍ انتخابية قبل ثلاثة أسابيع من الدورة الأولى للاقتراع الرئاسي.

وقال ماكرون خلال كلمةٍ ألقاها بهذه المناسبة: “أتحمل مسؤولية أفعالي، أقبل هذه اليد الممدودة، سيأتي اليوم الذي تسلك فيه الجزائر هذا الطريق”.