حذّرت دراسة علمية حديثة من أن جبال الألب تتجه نحو فقدان غير مسبوق لعدد كبير من أنهارها الجليدية خلال السنوات العشر المقبلة، في مسار متسارع يعكس عمق أزمة تغيّر المناخ، وقد يجعل اختفاء الجليد سمة دائمة للمنطقة مع نهاية القرن الحالي.
الدراسة قادها فريق من الباحثين في المعهد الاتحادي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (ETH Zurich)، ونُشرت في مجلة Nature Climate Change بعد مراجعة علمية محكمة. وتُعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي لا تكتفي بقياس حجم الجليد المفقود، بل تركز على حساب عدد الأنهار الجليدية التي ستختفي سنوياً، وتحديد توقيت الذروة الزمنية لهذا الاختفاء، إضافة إلى تقدير العمر المتبقي لكل نهر جليدي على حدة.
مفهوم جديد: «ذروة انقراض الأنهار الجليدية»
قدّم الباحثون مفهوماً علمياً جديداً أطلقوا عليه اسم «ذروة انقراض الأنهار الجليدية»، ويقصد به الفترة الزمنية التي يبلغ فيها عدد الأنهار الجليدية التي تختفي سنوياً أعلى مستوى له.
ووفق نتائج الدراسة، ستصل جبال الألب إلى هذه الذروة في وقت أبكر من بقية مناطق العالم، وتحديداً بين عامَي 2033 و2041، حيث ستشهد المنطقة أعلى معدلات فقدان للجليد في تاريخها الحديث.
أما على الصعيد العالمي، فمن المتوقع أن تحدث ذروة الانقراض بعد ذلك بنحو عشر سنوات، مع اختفاء يتراوح بين 2000 نهر جليدي سنوياً في حال التزام العالم بسيناريو احترار منخفض، ويصل إلى 4000 نهر جليدي سنوياً في حال استمرار الارتفاع الحاد في درجات الحرارة.
سيناريوهات مقلقة لمستقبل الألب
اعتمدت الدراسة على ثلاثة نماذج عالمية متقدمة لمحاكاة سلوك الأنهار الجليدية، إلى جانب عدة سيناريوهات مناخية حتى عام 2100. وأظهرت النتائج أن مصير أنهار الألب شديد الحساسية لأي زيادة في درجات الحرارة العالمية.
-
عند حصر الاحترار العالمي في 1.5 درجة مئوية، سيبقى بحلول نهاية القرن نحو 12% فقط من أنهار الألب الجليدية، أي قرابة 430 نهراً من أصل نحو 3000 حالياً.
-
عند ارتفاع الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، تنخفض نسبة البقاء إلى 8% فقط، أي نحو 270 نهراً جليدياً.
-
أما في السيناريو الأسوأ، مع ارتفاع الحرارة إلى 4 درجات مئوية، فلن يتبقى سوى 1% من أنهار الألب، أي حوالي 20 نهراً جليدياً صغيراً ومعزولاً.
صورة عالمية لتراجع الجليد
يُقدّر عدد الأنهار الجليدية حول العالم بنحو 215 ألف نهر جليدي موزعة على قرابة 50 دولة. وتُظهر الدراسة أن هذا الرقم سيتراجع بشكل حاد بحلول عام 2100، إذ سيبقى نحو 100 ألف نهر جليدي فقط عند سيناريو 1.5 درجة، بينما قد ينخفض العدد إلى 18 ألف نهر جليدي في حال وصول الاحترار إلى 4 درجات مئوية.
وتشمل المناطق الأكثر تضرراً، إضافة إلى جبال الألب، كلاً من جبال القوقاز، وسلسلة الروكي، وأجزاء واسعة من الأنديز، وبعض السلاسل الجبلية في إفريقيا، خاصة تلك التي تضم أنهاراً جليدية صغيرة وعلى ارتفاعات منخفضة.
وبحسب المؤلف الرئيسي للدراسة، لاندر فان تريخت، فإن أكثر من نصف الأنهار الجليدية في هذه المناطق قد تختفي خلال العقدين المقبلين، ما يجعل السنوات القادمة حاسمة في تاريخ الجليد العالمي.
آثار تتجاوز البيئة
حذّرت الدراسة من اختفاء أو تقلص أنهار جليدية شهيرة، مثل نهر الرون الجليدي، واحتمال تفكك نهر أليتش الجليدي – الأكبر في جبال الألب – إلى كتل جليدية منفصلة. ويأتي ذلك استكمالاً لاتجاه موثق، حيث اختفى أكثر من 1000 نهر جليدي في سويسرا وحدها بين عامي 1973 و2016.
ولا تقتصر تداعيات هذا التراجع على ارتفاع مستوى سطح البحر أو نقص الموارد المائية، بل تمتد إلى الاقتصاد المحلي والسياحة والهوية الثقافية للمجتمعات الجبلية. فاختفاء نهر جليدي صغير قد لا يؤثر كثيراً على البحار، لكنه قد يغيّر حياة وادي كامل ويقضي على مصدر رزق سكانه.
وأكد المؤلف المشارك في الدراسة، دانيال فارينوتي، أستاذ علم الجليد في ETH زيورخ، أن تراجع معدلات الاختفاء بعد بلوغ الذروة لا يعني تحسناً، بل يدل على أن معظم الأنهار الجليدية الصغيرة ستكون قد اختفت بالفعل.
وفي موازاة البحث العلمي، يشارك باحثو المعهد في مبادرات ثقافية مثل «القائمة العالمية لضحايا الأنهار الجليدية»، الهادفة إلى توثيق أسماء وقصص الأنهار الجليدية التي اختفت، حفاظاً على ذاكرتها في الوعي الإنساني، في ظل ما وصفه العلماء بأنه أحد أكثر فصول التغير المناخي قسوة في تاريخ الكوكب.