كشف تحقيق نشرته صحيفة «واشنطن بوست» أن إسرائيل قدّمت دعماً سرياً لفصائل درزية في جنوبي سوريا عقب هروب الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في ديسمبر 2024، ضمن استراتيجية تهدف إلى إضعاف الحكومة السورية الجديدة والرئيس الانتقالي أحمد الشرع.
وأجرى فريق الصحيفة مقابلات مع أكثر من عشرين مسؤولاً حاليين وسابقين من إسرائيل ودول غربية، إضافة إلى قادة فصائل وشخصيات درزية في سوريا وإسرائيل ولبنان، أكد معظمهم المعلومات شريطة عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية التعاون الأمني.
وبحسب التحقيق، بدأت مروحيات إسرائيلية بتنفيذ عمليات إسقاط جوي سري في جنوب سوريا بعد تسعة أيام فقط من فرار الأسد، شملت مساعدات إنسانية إلى جانب شحنات أسلحة ضمت نحو 500 بندقية وذخيرة ودروع واقية، جرى تسليمها لفصيل درزي يُعرف بـ«المجلس العسكري». وأفاد مسؤولون إسرائيليون سابقون بأن جزءاً من هذه الأسلحة كان مستعملاً وصودر سابقاً من مقاتلي «حزب الله» و«حماس».
كما أشار قادة دروز إلى تسلمهم بنادق قنص ومعدات رؤية ليلية وذخائر لأسلحة ثقيلة، إضافة إلى حصول بعض الفصائل، عبر قنوات كردية، على صواريخ مضادة للدروع وصور استطلاع من أقمار صناعية إسرائيلية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين أن هذا الدعم جاء رداً على سيطرة فصائل المعارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» على دمشق، واندراجاً ضمن سياسة تهدف إلى التأثير في المشهد السوري ومنع تشكل نظام مركزي قوي قد يشكل تهديداً لإسرائيل مستقبلاً.
وبلغ الدعم ذروته في أبريل الماضي بعد اشتباكات بين فصائل درزية وقوات موالية للحكومة السورية، قبل أن يتراجع لاحقاً مع بدء إسرائيل مفاوضات غير مباشرة مع دمشق، وسط مخاوف داخلية إسرائيلية من تعميق التورط في الساحة السورية والانقسامات داخل الطائفة الدرزية.
وأشار التحقيق إلى أن إسرائيل لا تزال تقدم دعماً غير قتالي، يشمل معدات طبية ودروعاً واقية، إضافة إلى تمويل شهري يتراوح بين 100 و200 دولار لنحو 3000 مقاتل درزي ضمن تشكيل «الحرس الوطني».
كما كشف التحقيق عن دور لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في تمرير أموال وتقديم تدريبات لمقاتلين دروز، ضمن تنسيق غير معلن شاركت فيه أطراف إسرائيلية، بهدف بناء قوة محلية قادرة على موازنة نفوذ الحكومة الجديدة.
وفي المقابل، أظهرت التطورات الأخيرة تصاعد انقسامات حادة داخل الصف الدرزي، مع اتهامات متبادلة بين القيادات، ما دفع مسؤولين إسرائيليين إلى الإقرار بعدم وجود شريك موثوق يمكن الاعتماد عليه على المدى الطويل.
وخلص التحقيق إلى أن الحماسة الإسرائيلية لدعم مشروع درزي منفصل بدأت تتراجع، مع إدراك تل أبيب كلفة هذا الخيار وحدود قدرتها على التدخل، رغم استمرار الدعم ما دام الجمود السياسي والأمني قائماً في سوريا.