شبكة مصدر الاخبارية

MSDRNEWS FB MSDRNEWS IG Youtube Telegram Twitter
الرئيسية فلسطينيو 48 شؤون إسرائيلية عربية وإقليمية اقتصاد تكنولوجيا تقارير خاصة رياضة منوعات إتصل بنا
الرئيسية أقلام غزة تحت الفشل الدولي: 1325 بين النصوص والشواهد الواقعية

د. شادية الغول .. كاتبة و أكاديمية فلسطينية

غزة تحت الفشل الدولي: 1325 بين النصوص والشواهد الواقعية

22 ديسمبر 2025 02:35 م
Facebook X (Twitter) WhatsApp
د. شادية الغول .. كاتبة و أكاديمية فلسطينية

د. شادية الغول .. كاتبة و أكاديمية فلسطينية

كتبت هذا المقال استجابةً لكثرة الدعوات التي تلقيتها من مؤسسات دولية ومحلية للمشاركة في ورش وندوات حول “أجندة المرأة والسلام والأمن”، حيث كان التركيز دائمًا على تقييم مدى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1325 في غزة. كل ورشة، وكل نقاش، كانت تسلط الضوء على نفس الإشكالية: رغم كل الأعوام، رغم كل البيانات والتقارير، رغم كل الندوات الدولية، يبدو القرار عاجزًا عن حماية نساء غزة، أو تمكينهن، أو حتى الاعتراف بصمودهن وتجربتهن الإنسانية والسياسية. كان لا بد من كتابة هذا المقال لتوثيق الفشل البنيوي للقرار والمجتمع الدولي بشكل سردي وتحليلي عميق، لإظهار أن الحديث عن المرأة والسلام لا يمكن أن يظل شعارات أو أوراق عمل، بينما النساء في غزة يواجهن القصف، التجويع، التهجير، وانعدام الحماية القانونية، ويواصلن الصمود رغم كل الإخفاقات الدولية المتكررة.

في كل مرة يُعلن فيها عن وقف إطلاق نار “هش” في غزة، تعود التساؤلات نفسها لتصدح بقوة متجددة: أين النساء من مسارات الحماية؟ أين قرار مجلس الأمن رقم 1325 من واقع الإبادة والاحتلال؟ ولماذا، بعد ما يقارب ربع قرن على إقراره، يبدو القرار عاجزًا عن حماية النساء في قطاع غزة، أو تمكينهن، أو حتى الاعتراف بتجربتهن الإنسانية والسياسية؟ هذه الأسئلة ليست وليدة اللحظة، ولا نتيجة غضب عابر أعقب حربًا واحدة، بل تراكم تاريخي طويل من فشل متكرر ومنهجي لمؤسسات المجتمع الدولي ولمجلس الأمن ولمنظومة القانون الدولي التي كان من المفترض أن تكون مرساة حماية للأضعف في أوقات النزاع، لكنها تثبت عمليًا أنها أداة لإدارة العنف والإفلات من العقاب.

قرار مجلس الأمن رقم 1325، الذي صدر عام 2000، اعتُبر خطوة نوعية في الاعتراف بالدور غير المتناسب للحروب على النساء ودورهن في صنع السلام. لكنه لم يُصمم في الأصل لمواجهة واقع احتلال طويل الأمد، حيث تنعدم سيادة الدولة، ويمارس طرف مسلح سيطرة كاملة على حياة المدنيين، ويفرض حصارًا مستمرًا منذ سنوات، ويحتكم إلى القوة العسكرية بدلًا من القانون الدولي. القرار يؤكد ثلاثة أعمدة مركزية: الحماية، المشاركة، والوقاية، لكنها تبقى توقعات نظرية غير قابلة للتطبيق في سياق الاحتلال، لأن المسؤولية عن حماية النساء تقع دومًا خارج نطاق القرار، وتطبيقه اصطدم بعجز المجلس الدولي عن مساءلة قوة محتلة محمية سياسيًا، وغياب أي آلية إلزامية أو عقابية.

في غزة، تتحكم إسرائيل بكل مقومات الحياة اليومية، من المعابر والغذاء والدواء والمياه والطاقة وحتى الهواء. تحت هذا الواقع، تصبح أي محاولة لتطبيق القرار مجرد خطاب فارغ. فالنساء لا يتعرضن لانتهاكات عرضية فحسب، بل لسياسات ممنهجة تصل في كثير من التحليلات الدولية إلى ما يمكن وصفه بجرائم حرب أو إبادة جماعية وفق التعريفات الدولية. القتل المباشر، التهجير القسري، تدمير المنازل والبنية التحتية، تجويع السكان، استهداف مرافق الرعاية الصحية، وانهيار الخدمات الأساسية، كلها واقع يومي يعيشنه النساء في غزة، بينما يظل القانون الدولي عاجزًا عن فرض أي مساءلة، ويصبح المجلس الدولي جزءًا من منظومة تدير الأزمات بدل أن تمنعها.

النساء في غزة لم يكن دورهن يومًا ترفًا، بل صمودًا متواصلًا. لقد قدن مراكز الإيواء، نظمن نسيج الدعم الاجتماعي، حمّلن أعباء الإعالة، وحافظن على استمرار الحياة اليومية في ظل القصف المستمر وانقطاع الكهرباء ونقص الماء والغذاء. ومع ذلك، جرى اختزالهن في صورة ضحايا أو مستفيدات من مشاريع إغاثة شكلية، بينما تُستبعد أصواتهن من مسارات العدالة وصنع القرار. هذا الاختزال لا يحد من حق النساء فحسب، بل يحول تجربتهن الإنسانية والسياسية إلى خطاب شكلي يُستغل لتجميل الفشل الدولي.

الفشل لم يبدأ اليوم، بل امتد لعقود طويلة من الإخفاقات المتكررة. قبل الحرب الأخيرة، وقبل أي وقف إطلاق نار هش، كانت غزة مختبرًا صارخًا للفشل الدولي. في كل جولة عدوان، تُرتكب الانتهاكات، تُوثق التقارير، تُصدر بيانات القلق، ثم يُغلق الملف سياسيًا. هذا التكرار جعل من الفشل نمطًا مؤسسيًا متجذرًا، وليس حادثًا عرضيًا.

وفي هذا السياق، يصبح الحديث عن مشاركة النساء في صنع السلام مفارقة. الاحتلال دمّر المجال السياسي وحوّل المؤسسات المحلية إلى أدوات إدارة أزمات، وجعل المشاركة النسوية مقيدة بشروط شكلية لا تعكس الواقع أو احتياجات النساء، ومع ذلك، يظل القرار 1325 يُستشهد به دوليًا لكنه عاجز عن إنتاج أي تأثير ملموس على الأرض.

المجتمع الدولي لم يفشل لأنه لم يمتلك الأدوات، بل لأنه اختار عدم استخدامها. لم يعجز عن حماية النساء، بل قرر أن حماية النساء الفلسطينيات ليست أولوية حين تتعارض مع مصالح القوى العظمى، ولم يحاسب الاحتلال على أي من الانتهاكات المستمرة منذ سنوات طويلة. وهنا يكمن التناقض الصارخ: القانون الدولي موجود، الاتفاقيات موجودة، لكن الإرادة السياسية غائبة، ما يجعل كل خطاب عن المرأة والسلام والأمن مزيّفًا وفارغًا إذا لم يُرافقه مساءلة فعلية.

في قلب هذا المشهد المدمر، يبرز دور النساء الفلسطينيات كمصدر للقوة والتحمل، لا مجرد كائنات تتلقى المعاناة. فالنساء قدن مراكز الإيواء، نسجن نسيج الدعم الاجتماعي، يحتضن أطفالهن في ظل انعدام الأمان، يدبرن الحياة اليومية للنازحات والنازحين، وينظمن الموارد المتاحة بين أفراد المجتمع، ويشاركن في صمود اقتصادي واجتماعي مستمر. لكن هذه الأدوار لا تُعترف بها بصورة سياسية في الصيغ الدولية السائدة، بل تُختزل في مشاريع إغاثة شكلية لا تعالج الجذور الهيكلية للمشكلة.

النساء الفلسطينيات يواجهن واقعين متوازيين: عنف الاحتلال العسكري والسياسي والاقتصادي، وعنف القانون الدولي الذي يثبت نفسه عاجزًا. القرار 1325 وغيره من المعاهدات الدولية تفتقر إلى آليات إلزامية لمحاسبة الاحتلال على انتهاكاته، لأن القانون الدولي يُستخدم أحيانًا كأداة تفاوضية أو سياسية بدلًا من أداة للعدالة. في غزة اليوم، يُستخدم التجويع كسلاح ويُعترف به دوليًا كأزمة من صنع البشر، لكنه يبقى دون إجراءات عملية قوية لإيقافه. تُرتكب انتهاكات تُوصف في تقارير أممية بأنها أفعال تصنّف قانونيًا كإبادة جماعية، لكن لا مسار قانوني فعّال يقود إلى محاسبة فعلية، وتعيش النساء تحت حالة فقدان الأمان، دون آليات وطنية أو دولية توفر حماية حقيقية ودائمة.

في خضم هذه المأساة، لا تطالب نساء غزة بالمزيد من الندوات أو البيانات فقط. هن يطالبن بقانون يُطبَّق، وعدالة تُنفَّذ، ونظام دولي يُجبر على الانحياز للحق لا لموازين القوة. إن فشل القرار 1325 في غزة ليس فشلًا نظريًا أو شكليًا، بل إدانة سياسية وقانونية لمنظومة دولية عاجزة عن حماية النساء تحت الاحتلال وعن مساءلة من يرتكب الجرائم، وعن تحويل القانون الدولي من خطاب إلى واقع.

إذا بقي الجواب في خانة الصمت أو العجز، فإن ما يحدث في غزة لن يكون فشلًا للقرار 1325 فقط، بل فضيحة أخلاقية وقانونية للمجتمع الدولي بأسره، بينما تظل النساء الفلسطينيات صامدات، يحافظن على الحياة في قلب الموت، ويقدمن درسًا للعالم بأسره عن قوة الإرادة الإنسانية وسط القسوة السياسية.

Facebook X (Twitter) WhatsApp
قرار مجلس الأمن 1325 حماية النساء في النزاعات المرأة والسلام والأمن الإبادة الجماعية المرأة الفلسطينية

آخر الاخبار

241 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى في اليوم الأخير من “عيد الأنوار”

241 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى في اليوم الأخير من “عيد الأنوار”

وزارة شؤون القدس: هدم بناية واد قدوم جريمة تهجير قسري وسياسة تمييز عنصري

وزارة شؤون القدس: هدم بناية واد قدوم جريمة تهجير قسري وسياسة تمييز عنصري

غزة تحت الفشل الدولي: 1325 بين النصوص والشواهد الواقعية

غزة تحت الفشل الدولي: 1325 بين النصوص والشواهد الواقعية

إيران: ملف صواريخنا الباليستية ليس خاضعاً للمفاوضات

إيران: ملف صواريخنا الباليستية ليس خاضعاً للمفاوضات

الأكثر قراءة

1

ما هو تفسير حلم الإجهاض للمتزوجة غير الحامل؟

2

هذا تفسير حلم سقوط سن واحد علوي في المنام

3

ما هو تفسير رؤية ترك العمل في الحلم؟

4

بث مباشر: منتخب فلسطين يواجه كتالونيا ودياً وسط تضامن واسع في إسبانيا مع القضية الفلسطينية

تابعنا على فيسبوك

المقالات المرتبطة

نساء غزة

نساء غزة

هل سيُجبر ترامب نتنياهو على المضيّ قدماً… أم يُسرّع تنفيذ الأجندة الإسرائيلية في غزة؟

هل سيُجبر ترامب نتنياهو على المضيّ قدماً… أم يُسرّع تنفيذ الأجندة الإسرائيلية في غزة؟

نوبل أم الحرب: الصفقة غير المعلنة بين ترامب ونتنياهو

نوبل أم الحرب: الصفقة غير المعلنة بين ترامب ونتنياهو

تابعنا على فيسبوك

شبكة مصدر الاخبارية

مصدر الإخبارية، شبكة إعلامية فلسطينية مستقلة، تُعنى بالشأن الفلسطيني والإقليمي والدولي، وتولي أهمية خاصة للقضية الفلسطينية بالدرجة الأولى

فلسطينيو 48 عربية وإقليمية تقارير خاصة محلية اقتصاد الأسرة الأسرى منوعات اللاجئين القدس سياسة أقلام اتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الإخبارية © 2025

MSDRNEWS FB MSDRNEWS IG Youtube Telegram Twitter
BandoraCMS  Powered By BandoraCMS
سيتم تحسين تجربتك على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط.