نشر كامل اسبيرو عياد مدير العلاقات العامة بالكنيسة الارثوذكسية بغزة على صفحته عالفيسبوك
لطالما احتلّ عيد الميلاد مكانةً خاصة في قلوب مسيحيي غزة، وهم جماعة صغيرة لكنها عريقة، يمتد تاريخها لقرون. لأجيال، تميّز عيد الميلاد بترانيم تتردد في أرجاء كنائس غزة القديمة، وعائلات تتبادل الزيارات حاملةً صواني كعك التمر، وأطفال يحملون الانوار في شوارعها المزينة.
لكن بعد الحرب، يروي عيد الميلاد في غزة قصةً أشدّ حزنًا: قصة صمود وصمود وشوق: للسلام، وللوطن، ولمن هم الآن بعيدون.
عيد ميلاد بين الدمار والأمل:
في غزة ما بعد الحرب، يحل عيد الميلاد هذا العام بهدوء. في المنازل التي كانت تُزيّنها أضواء عيد الميلاد، وتُقدّم فيها وجبات العيد، اختفى كل شيء الآن: تضررت المنازل أو تحولت إلى أنقاض. الكنائس، التي تُعدّ معالم تاريخية ومَراسٍ روحية، عانت من الدمار. تتجمع العائلات المسيحية المتبقية في مجموعات صغيرة، أحيانًا في ملاجئ مؤقتة، ويقيمون صلوات بأصوات متقطعة وقلوب مليئة بالحزن.
ومع ذلك، لا تزال روح عيد الميلاد باقية. تُشعل العائلات الشموع، ليس فقط لميلاد يسوع المسيح، بل للأرواح المفقودة، وللمفقودين، وللأمل في أن ينعم الوطن بالسلام يومًا ما. لقد تعمّق معنى هذا الموسم: لم يعد عيد الميلاد مجرد احتفال، بل هو فعل مقاومة وإصرار على الإيمان بمستقبل ما بعد الدمار.
القوة الهادئة لمن بقوا:
يواجه المسيحيون الذين ما زالوا في غزة تحديات هائلة. إنهم أقلية ضئيلة، محاطة بالخسارة والانهيار الاقتصادي وعدم اليقين بشأن ما قد يحمله الغد. ومع ذلك، فإن وجودهم يُبقي على تقاليد حية صمدت لألفي عام. يواصلون رعاية كبار السن، وإدارة مراكز مجتمعية صغيرة، والحفاظ على إيقاع الصلاة داخل كنائسهم، على الرغم من الدمار الهائل وما فقدوه بالحرب.
بالنسبة لهم، يُعدّ الاحتفال بعيد الميلاد وسيلةً لتأكيد هويتهم، ورسالةً للعالم بأن تاريخ غزة المسيحي لم ولن يُمحى.
المغادرون: شتاتٌ من الجراح
بالنسبة للمسيحيين الذين أُجبروا على مغادرة غزة، تُمثّل الحياة في المنفى كفاحًا من نوعٍ مختلف. سافر الكثيرون منهم ولا يملكون سوى وثائقهم وذكرياتهم، غير متأكدين من عودتهم يومًا ما. واليوم، يعيشون مشتتين في بلدان جديدة: كندا، أوروبا، مصر واستراليا. إنهم آمنون جسديًا، لكنهم مُشرّدون عاطفيًا. معاناتهم أخف، لكنها لا تزال عميقة.
أولًا، يشعرون بألم الفراق. يتألمون على آبائهم وإخوتهم وأقاربهم الذين تركوهم وراءهم. أصبح عيد الميلاد تذكيرًا مؤلمًا بما كان عليه سابقًا: مائدة واحدة، عائلة واحدة، مدينة واحدة.
ثم يواجهون عبء البدء من جديد. لغات جديدة، ثقافات غير مألوفة، وعبء إعادة بناء الحياة من الصفر، والتي غالبًا ما تُسبب لهم الوحدة. يشعر الكثيرون أنهم عالقون بين عالمين: لا ينتمون تمامًا إلى وطنهم الجديد، ولا يستطيعون العودة إلى ديارهم.
أخيرًا، يختبرون خوف الفناء. في المنفى، يخشى البعض من تلاشي التراث المسيحي لغزة، ومن تلاشي هوية مجتمعهم عبر الأجيال القادمة.
صلاة مشتركة عبر العالم:
رغم بُعد المسافة، لا تزال الصلة بين مسيحيي غزة ومن غادروها قوية. تحل المكالمات الهاتفية محل التجمعات العائلية. وتُشارك صور القداسات الكنسية في غزة مع الأقارب في الخارج، بينما تتدفق رسائل التضامن في الاتجاه المعاكس. في ليلة عيد الميلاد، يُضيء العديد من مسيحيي غزة، الذين يعيشون الآن في الخارج، شموعًا لوطنهم، وهم يهمسون بالدعاء باللغة العربية من أجل الحماية والرحمة والعودة.
سواء في خراب غزة أو في شتاء المنفى البارد، تحمل رسالة عيد الميلاد المعنى نفسه بالنسبة لهم: أن النور قادر على الصمود حتى في أحلك الليالي.
مستقبل ينتظر إعادة بنائه:
قصة مسيحيي غزة هي قصة صمود. لقد نجوا من قرون من التغيير والصراع والنزوح. بعد الحرب، كانت التحديات هائلة، لكن إرادتهم في البقاء جزءًا لا يتجزأ من هذه الأرض هائلة أيضًا. لذا، يصبح عيد الميلاد أكثر من مجرد عيد. يصبح الأمر بمثابة شهادة: أن الإيمان يمكن أن يدوم أكثر من الدمار، وأن الهوية يمكن أن تبقى عبر المحيطات، وأنه حتى في المنفى، يتذكر القلب وطنه.