حرب باردة ثانية عنوانها المصالح والنفوذ!

أقلام/ مصدر الإخبارية

بقلم/ سليمان أبو راشد

على وقع طبول الحرب التي تقرع في أوكرانيا، نشر “معهد أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي مقالا للباحثين عوديد عيران وتسفي ماغين بعنوان “روسيا والصين جبهة واحدة في الحرب الباردة الثانية”، اعتبرا فيه الأزمة الأوكرانية فصلا من فصول حربٍ باردة تحرّكها المصالح الاقتصادية، والنزاع على مناطق النفوذ.

ويرى الباحثان في البيان المشترك الذي صدر عن قمة الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والصيني، شي جين بنغ، في الرابع من شباط/فبراير الجاري، تأكيدًا للاستنتاج القائل إنّه بعكس الدورة الأولى من الحرب الباردة، التي أدار خلالها البلدان على امتداد معظم سنواتها سياسة مختلفة أمام الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنهما يبلوران، في الدورة الحالية من الحرب الباردة، جبهة واحدة تستند إلى المصالح القومية السياسية والاقتصادية والعسكرية المتقاربة، التي استبدلت المعيار الأيديولوجي الذي باعد بينهما في الدورة الأولى من هذه الحرب.

البيان المشترك عكس التحالف المتبلور بين الصين وروسيا وتحدّيه للولايات المتحدة الأميركية، والذي يجد تعبيره في الصدام الأيديولوجي بموازاة المنافسة على الأسواق ومساحات التأثير العالمية، حيث تعرض الصين وروسيا نفسيهما كداعمتين للنظام والحكم العالميين القائمين على توزيع أكثر عدلا للقوة العالمية، وهما تريان أن أقلية في العالم فقط تأخذ بالتوجه أحادي الأطراف وباستعمال القوة لحل الخلافات، من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتدعوان لنظام متعدد القطبية تحتل فيه الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها دورا مركزيا.

ويؤكد الطرفان على التعاون في الحيز الأورو آسيوي المشترك بواسطة مبادرة “الحزام والطريق” والوحدة الاقتصادية الأورو آسيوية (الاتحاد الأوراسي)، وكذلك تعزيز العمل المشترك بينهما في منطقة “الأركتيك”، التي غدت مركز اهتمام صيني لأن طريق بحر الشمال يقصّر المسافة إلى أسواق غربيّ أوروبا، كما يعارض الطرفان إقامة معسكرات وتكتّلات مغلقة، وخاصّة مسألة توسيع حلف الأطلسي، ويدعوان الحلفَ إلى الإقلاع عن أيديولوجية الحرب الباردة.

وفي وقت تتخوف أميركا من أن يمثّل اجتياح روسيا لأوكرانيا سابقة تمكّن الصين من اجتياح تايوان، ترى الدولتان في البلدين قطعتين اقتلعتا من جغرافيتهما السياسية ومن وطنهما الأم. وتقوم فلسفة بوتين بهذا الصدد، وفق ما يقول الباحثان الإسرائيليان، على اعتقادٍ بأن تفكيك الاتحاد السوفييتي كان بمثابة الكارثة الجيوسياسية الأكبر التي حدثت في القرن العشرين، وعليه فإنّ ضم دول الاتحاد السوفييتي السابق، ومن ضمنها أوكرانيا إلى حلف الأطلسي هو بمثابة تكريس لهذه الكارثة.

ولكن حتى لو أُغلقَ ملفّ أوكرانيا مؤقتا، كما يقولان، فإنّ العلاقات الروسية الأميركية يُعكّر صفوها العديد من الملفات المتفجّرة، مثل فتح أميركا لاتفاقات الصواريخ البالستية والاتهامات المتبادلة بشأن التجسّس، ومواصلة فرض عقوبات أميركية على موسكو وغيرها.

أمّا في الملف الصيني، فيشيران إلى ادّعاءات ومطالبات تُوجّه إلى أميركا وحلفائها في مياه المحيط الهادئ وجنوب شرقي آسيا، وفي مقدمتها تيوان التي تمثّل بالنسبة للصين ما تمثله أوكرانيا بالنسبة لروسيا.

البيان الصيني الروسي المشترك، الذي تطرّق إلى العديد من القضايا مثل المناخ، والاقتصاد العالمي، والفضاء، والإنترنت، والتجارة العالمية، ونزع السلاح، وغيرها، طرح رؤية منهجية مشتركة للصين وروسيا بشأن مواجهة الولايات المتحدة الأميركية على امتداد جبهة طويلة ومتنوعة، وطرح تحدّيًا أمام أميركا وحلفائها يتعدّى قضية تايوان وأوكرانيا، علما بأنّ الباحثين لم يسقطا نهائيا إمكانية أن يكون التعاون الحالي بين البلدين مؤقّتا، ويهدف إلى تشكيل أداة ضغط أخرى على الولايات المتحدة في القضية الأوكرانية.

لكن جدير بالإشارة إلى أنّ الباحثين يتمتّعان بمصداقية عالية، استنادًا إلى رصيدهما الكبير في العمل السياسي والدبلوماسي والمناصب التي أشغلاها في دوائر الحكم الإسرائيلي، بحيث أشغل عيران مناصب سفير إسرائيل في الاتحاد الأوروبي، وسفير إسرائيل في الأردن، ورئيس طاقم المفاوضات مع الفلسطينيين لتنفيذ الحل المرحلي والحل الدائم. بينما أشغل ماغين مناصب سفير إسرائيل في أوكرانيا، وسفير إسرائيل في روسيا، وخدم ضابطًا كبيرًا في وحدة الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي، إضافة إلى مناصب أكاديمية أخرى.

وفي هذا السياق، يتوخّى المقال استشفاف موقف إسرائيلي من النزاع العالمي الجديد (الحرب الباردة الثانية) في ضوء التحولات السياسية المستجدّة، وفي مقدّمتها تحسّن العلاقات الثنائية بين إسرائيل وكل من روسيا والصين، ما يجعل حسم موقفها بشكل كامل إلى جانب أحد طرفي الصراع ( أميركا)، كما حدث في الحرب الباردة الأولى أمرا صعبا، وهو ما بدا في الأزمة الراهنة.